للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكاتبين اليهود والنصارى، لأنهم يعتقدون فضيلة إبراهيم الخليل وعظمته، ويعلمون أنه بنى هذا البيت للطواف في الحج والعمرة وغير ذلك وللاعتكاف والصلاة عنده، وهم لا يفعلون شيئا من ذلك، فكيف يكونون مقتدين بالخليل وهم لا يفعلون ما شرع الله له؟ وقد حج البيت موسى بن عمران وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما أخبر بذلك المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى﴾ [النجم: ٤].

وتقدير الكلام إذا ﴿وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ﴾ أي تقدمنا بوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل ﴿أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ أي طهراه من الشرك والريب، وابنياه خالصا لله معقلا للطائفين والعاكفين والركع السجود، وتطهير المساجد مأخوذ من هذه الآية الكريمة، ومن قوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ﴾ [النور: ٣٦] ومن السنة من أحاديث كثيرة من الأمر بتطهيرها وتطييبها وغير ذلك من صيانتها من الأذى والنجاسات وما أشبه ذلك. ولهذا قال «إنما بنيت المساجد لما بنيت له» وقد جمعت في ذلك جزاء على حدة، ولله الحمد والمنة. وقد اختلف الناس في أول من بنى الكعبة، فقيل:

الملائكة قبل آدم، روي هذا عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين، ذكره القرطبي (١) وحكى لفظه، وفيه غرابة، وقيل: آدم ، رواه عبد الرزاق عن ابن جريج، عن عطاء وسعيد بن المسيب وغيرهم: أن آدم بناه من خمسة أجبل: من حراء وطور سيناء وطور زيتا وجبل لبنان والجودي، وهذا غريب أيضا. وروي عن ابن عباس وكعب الأحبار وقتادة وعن وهب بن منبه: أن أول من بناه شيث ، وغالب من يذكر هذه إنما يأخذه من كتب أهل الكتاب، وهي مما لا يصدق ولا يكذب ولا يعتمد عليها بمجردها، وأما إذا صح حديث في ذلك فعلى الرأس والعين.

وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ قال الإمام أبو جعفر بن جرير (٢): أخبرنا ابن بشار قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، أخبرنا سفيان عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله : «إن إبراهيم حرم بيت الله وأمنه، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها» (٣) وهكذا رواه النسائي عن محمد بن بشار، عن بندار به، وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو بن الناقد كلاهما عن أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري. وقال ابن جرير (٤) أيضا: أخبرنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: حدثنا ابن إدريس،


(١) تفسير القرطبي ٢/ ١٢٠ والذي ذكره القرطبي هو رواية عن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
(٢) تفسير الطبري ١/ ٥٩١.
(٣) اللابة: هي الأرض ذات الحجارة السود. والعضاه: شجر عظيم له شوك.
(٤) تفسير الطبري ١/ ٥٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>