للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ لَهُ، فَإِنَّمَا يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي قدرت لا يزاد عليه، وليس أحد قدرت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر، وَلَكِنْ يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبْتُ لَهُ، فذلك قوله تعالى: وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ يَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ، وَهَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ قَالَ:

مَا لَفَظَتِ الْأَرْحَامُ مِنَ الْأَوْلَادِ مِنْ غَيْرِ تَمَامٍ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي تَفْسِيرِهَا: أَلَا تَرَى النَّاسَ يَعِيشُ الْإِنْسَانُ مِائَةَ سَنَةٍ وَآخَرُ يَمُوتُ حِينَ يُولَدُ فَهَذَا هَذَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: وَالَّذِي يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ فَالَّذِي يَمُوتُ قَبْلَ سِتِّينَ سَنَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ أَيْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ يُكْتَبُ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يخلق عَلَى عُمُرٍ وَاحِدٍ، بَلْ لِهَذَا عُمُرٌ، وَلِهَذَا عمر هو أنقص من عمره. فكل ذَلِكَ مَكْتُوبٌ لِصَاحِبِهِ بَالِغٌ مَا بَلَغَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَعْنَاهُ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ أَيْ مَا يُكْتَبُ مِنَ الْأَجَلِ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ وَهُوَ ذَهَابُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا، الْجَمِيعُ معلوم عند الله تعالى سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، وَشَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ، وَجُمُعَةً بَعْدَ جُمُعَةٍ، وَيَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَسَاعَةً بَعْدَ ساعة، الجميع مكتوب عند الله تعالى في كتابه، نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ السُّدِّيُّ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيِّ، وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ الْأَوَّلَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.

وَقَالَ النَّسَائِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يحيى بن أبي زيد بن سليمان قال: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أثره فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» «١» . وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسين، حدثنا الوليد بن الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أبو سرح، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّهِ أَبِي مَشْجَعَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تعالى لَا يُؤَخِّرُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجْلُهَا، وَإِنَّمَا زِيَادَةُ الْعُمُرِ بِالذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ يُرْزَقُهَا الْعَبْدَ، فَيَدْعُونَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَيَلْحَقُهُ دُعَاؤُهُمْ فِي قَبْرِهِ، فذلك زيادة العمر» . وقوله عز وجل: إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أَيْ سَهْلٌ عَلَيْهِ، يَسِيرٌ لَدَيْهِ عِلْمُهُ بِذَلِكَ وَبِتَفْصِيلِهِ فِي جميع مخلوقاته، فإن علمه شامل للجميع، لا يخفى عليه شيء منها.

[[سورة فاطر (٣٥) : آية ١٢]]

وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)


(١) أخرجه أبو داود في الأدب باب ١٢، والبيوع باب ١٣، ومسلم في البر حديث ٢٠، ٢١، وأبو داود في الزكاة باب ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>