للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوما في كفه، فوضع عليها إصبعه، ثم قال رسول الله «قال الله تعالى: ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة؟» ورواه ابن ماجة (١) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن جرير بن عثمان به، ولهذا قال تعالى:

﴿وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ أي استبعد إعادة الله تعالى ذي القدرة العظيمة التي خلقت السموات والأرض للأجسام والعظام الرميمة، ونسي نفسه، وأن الله تعالى خلقه من العدم إلى الوجود، فعلم من نفسه ما هو أعظم مما استبعده وأنكره وجحده، ولهذا قال ﷿: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ أي يعلم العظام في سائر أقطار الأرض وأرجائها، أين ذهبت وأين تفرقت وتمزقت.

قال الإمام أحمد (٢): حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي قال:

قال عقبة بن عمرو لحذيفة : ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله ؟ فقال:

سمعته يقول: «إن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصى أهله إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا جزلا، ثم أوقدوا فيه نارا حتى إذ أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت، فخذوها فدقوها فذروها في اليم، ففعلوا، فجمعه الله تعالى إليه ثم قال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله ﷿ له» فقال عقبة بن عمرو: وأنا سمعته يقول ذلك وكان نباشا.

وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الملك بن عمير بألفاظ كثيرة منها أنه أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر في يوم رائح، أي كثير الهواء، ففعلوا ذلك، فأمر الله تعالى البحر، فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له: كن، فإذا هو رجل قائم، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: مخافتك وأنت أعلم، فما تلافاه أن غفر له (٣).

وقوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ أي الذي بدأ.

خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خضرا نضرا ذا ثمر وينع، ثم أعاده إلى أن صار حطبا يابسا توقد به النار، كذلك هو فعال لما يشاء، قادر على ما يريد لا يمنعه شيء. قال قتادة في قوله ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ يقول الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر على أن يبعثه، وقيل: المراد بذلك شجر المرخ والعفار ينبت في أرض الحجاز، فيأتي من أراد قدح نار وليس معه زناد، فيأخذ منه عودين أخضرين، ويقدح أحدهما


(١) كتاب الوصايا باب ٤.
(٢) المسند ٥/ ٣٩٥.
(٣) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٣٥، والأنبياء باب ٥٤، والرقاق باب ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>