للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ [العصر: ١ - ٣] وقال ﷿: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ [التين: ٤ - ٦] وقال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧١ - ٧٢] وقال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ﴾ [المدثر: ٣٨] ولهذا قال جل وعلا هاهنا ﴿إِلاّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ أي ليسوا يذوقون العذاب الأليم ولا يناقشون في الحساب بل يتجاوز عن سيئاتهم إن كان لهم سيئات ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى ما يشاء الله تعالى من التضعيف.

وقوله جل وعلا: ﴿أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ قال قتادة والسدي يعني الجنة ثم فسره بقوله تعالى: ﴿فَواكِهُ﴾ أي متنوعة ﴿وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾ أي يخدمون ويرفهون وينعمون ﴿فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ﴾ قال مجاهد لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض. وقال ابن أبي حاتم حدثنا يحيى بن عبدك القزويني حدثنا حسان بن حسان حدثنا إبراهيم بن بشر حدثنا يحيى بن معين حدثنا إبراهيم القرشي عن سعيد بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله فتلا هذه الآية ﴿عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ﴾ ينظر بعضهم إلى بعض حديث غريب.

وقوله تعالى: ﴿يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ﴾ كما قال ﷿ في الآية الأخرى ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ﴾ [الواقعة: ٣٨ - ٣٩] نزه الله خمر الجنة عن الآفات التي في خمر الدنيا من صداع الرأس ووجع البطن وهو الغول وذهابها بالعقل جملة فقال تعالى هاهنا: ﴿يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ أي بخمر من أنهار جارية لا يخافون انقطاعها ولا فراغها. قال مالك عن زيد بن أسلم: خمر جارية بيضاء أي لونها مشرق حسن بهي لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء من حمرة أو سواد أو اصفرار أو كدورة (١) إلى غير ذلك مما ينفر الطبع السليم.

وقوله ﷿: ﴿لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ﴾ أي طعمها طيب كلونها وطيب الطعم دليل على طيب الريح بخلاف خمر الدنيا في جميع ذلك وقوله تعالى: ﴿لا فِيها غَوْلٌ﴾ يعني لا تؤثر فيها غولا وهو وجع البطن قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد كما تفعله خمر الدنيا من القولنج (٢) ونحوه لكثرة مائيتها، وقيل المراد بالغول هاهنا صداع الرأس وروي هكذا عن ابن


(١) الكدورة: ضد الضعفاء.
(٢) القولنج: كلمة عجمية، مرض مشهور معوي، يعثر معه خروجه الثفل والريح.

<<  <  ج: ص:  >  >>