للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للقراء السبعة، وتركيب السياق يأبى معناها، والله أعلم، فإن الضمير في قال: راجع إلى الله تعالى في قراءة الجمهور، والسياق يقتضيه، وعلى هذه القراءة الشاذة يكون الضمير في قال عائدا على إبراهيم، وهذا خلاف نظم الكلام، والله سبحانه هو العلام.

وأما قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ﴾ فالقواعد جمع قاعدة وهي السارية والأساس، يقول تعالى: واذكر يا محمد لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل البيت ورفعهما القواعد منه، وهما يقولان ﴿رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ وحكى القرطبي (١) وغيره عن أبي وابن مسعود أنهما كانا يقرآن «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ويقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم»، (قلت) ويدل على هذا قولهما بعده ﴿رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ الآية، فهما في عمل صالح، وهما يسألان الله تعالى أن يتقبل منهما، كما روى ابن أبي حاتم من حديث محمد بن يزيد بن خنيس المكي عن وهيب بن الورد أنه قرأ ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا﴾ ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك. وهذا كما حكى الله تعالى عن حال المؤمنين الخلص في قوله ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا﴾ [المؤمنون: ٦٠] أي يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] أي خائفة أن ألاّ يتقبل منهم، كما جاء به الحديث الصحيح عن عائشة عن رسول الله كما سيأتي في موضعه.

وقال بعض المفسرين: الذي كان يرفع القواعد هو إبراهيم والداعي إسماعيل، والصحيح أنهما كانا يرفعان ويقولان كما سيأتي بيانه.

وقد روى البخاري هاهنا حديثا سنورده ثم نتبعه بآثار متعلقة بذلك، قال البخاري (٢) حدثنا عبد الله بن محمد، أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة-يزيد أحدهما على الآخر-عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا ليعفّى أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفا إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي ليس فيه أنيس؟ ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت: آلله أمرك بذا؟ قال: نعم: قالت: إذا لا يضيعنا. ثم رجعت. فانطلق إبراهيم


(١) تفسير القرطبي ٢/ ١٢٦.
(٢) صحيح البخاري (أنبياء باب ٩). ورواه أيضا الإمام أحمد في مسنده (ج ١ ص ٣٤٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>