للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنهار، بل كان مِنْهُمَا يَعْقُبُ الْآخَرَ بِلَا مُهْلَةٍ وَلَا تَرَاخٍ، لِأَنَّهُمَا مُسَخَّرَانِ دَائِبَيْنِ يَتَطَالَبَانِ طَلَبًا حَثِيثًا.

وَقَوْلُهُ تبارك وتعالى: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، كُلُّهُمْ يَسْبَحُونَ أَيْ يَدُورُونَ فِي فَلَكِ السَّمَاءِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيِّ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: فِي فَلَكٍ بَيْنَ السماء والأرض، ورواه ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا بَلْ منكر. قال ابن عباس رضي الله عنهما وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: فِي فَلْكَةٍ كَفَلْكَةِ المغزل. وقال مجاهد: الفلك كحديدة الرَّحَى أَوْ كَفَلْكَةِ الْمِغْزَلِ، لَا يَدُورُ الْمِغْزَلُ إلا بها، ولا تدور إلا به.

[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤١ الى ٤٤]

وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤)

يقول تبارك وتعالى: ودلالة لهم أيضا على قدرته تبارك وتعالى تَسْخِيرُهُ الْبَحْرَ لِيَحْمِلَ السُّفُنَ، فَمِنْ ذَلِكَ بَلْ أوله سفينة نوح عليه الصلاة والسلام، الَّتِي أَنْجَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الأرض من ذرية آدم عليه الصلاة والسلام غيرهم، ولهذا قال عز وجل: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ أَيْ آبَاءَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أي في السفينة الْمَمْلُوءَةِ مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالْحَيَوَانَاتِ، الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تبارك وتعالى أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ. قال ابن عباس رضي الله عنهما: الْمَشْحُونُ الْمُوقَرُ، وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والشعبي وقتادة وَالسُّدِّيُّ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: وَهِيَ سفينة نوح عليه الصلاة والسلام.

وقوله جل وعلا: وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَعْنِي بِذَلِكَ الْإِبِلُ، فَإِنَّهَا سُفُنُ الْبَرِّ يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا وَيَرْكَبُونَهَا، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وقتادة في رواية، وعبد اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَغَيْرِهِمْ: وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي رِوَايَةٍ: هِيَ الْأَنْعَامُ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أتدرون ما قوله تعالى: وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هِيَ السُّفُنُ جُعِلَتْ مِنْ بَعْدِ سفينة نوح عليه الصلاة والسلام على مثلها، وكذا قال أَبُو مَالِكٍ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو صَالِحٍ وَالسُّدِّيُّ أيضا المراد بقوله تعالى:

وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ أَيِ السُّفُنَ، وَيُقَوِّي هَذَا الْمَذْهَبَ فِي الْمَعْنَى قَوْلُهُ جل وعلا:

إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ [الْحَاقَّةِ: ١١- ١٢] .

وقوله عز وجل: وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ يَعْنِي الَّذِينَ فِي السُّفُنِ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ أي لا مغيث


(١) تفسير الطبري ١٠/ ٤٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>