للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي الدَّهْمَاءِ وَكَانَا يُكْثِرَانِ السَّفَرَ نَحْوَ الْبَيْتِ قَالَا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أهل البادية فقال لنا الْبَدَوِيُّ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ عز وجل وَقَالَ: «إِنَّكَ لَا تَدَعُ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ تعالى إلا أعطاك الله عز وجل خيرا منه» .

[سورة ص (٣٨) : الآيات ٣٤ الى ٤٠]

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨)

هَذَا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)

يَقُولُ تَعَالَى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ أَيِ اخْتَبَرْنَاهُ بِأَنْ سَلَبْنَاهُ الْمُلْكَ مَرَّةً وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ يَعْنِي شَيْطَانًا ثُمَّ أَنابَ أَيْ رَجَعَ إِلَى مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَأُبَّهَتِهِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» ، وَكَانَ اسْمُ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ صَخْرًا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَقَتَادَةُ وَقِيلَ آصِفُ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقِيلَ آصِرُوا قَالَهُ مُجَاهِدٌ أَيْضًا وَقِيلَ حبقيقُ قَالَهُ السُّدِّيُّ وَقَدْ ذَكَرُوا هَذِهِ الْقِصَّةَ مَبْسُوطَةً وَمُخْتَصَرَةً.

وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ أمر سليمان عليه الصلاة والسلام بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقِيلَ لَهُ ابْنِهِ وَلَا يسمع فيه صوت حديد، قال فطلب ذلك فلم يقدر عليه فقيل إِنَّ شَيْطَانًا فِي الْبَحْرِ يُقَالُ لَهُ صَخْرٌ شبه المارد قال فطلبه وكانت في البحر عين يَرِدُهُا فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً فَنُزِحَ ماءها وجعل فيها خمرا فَجَاءَ يَوْمَ وِرْدِهِ فَإِذَا هُوَ بِالْخَمْرِ فَقَالَ: إِنَّكِ لَشَرَابٌ طَيِّبٌ إِلَّا أَنَّكِ تُصْبِينَ الْحَلِيمَ «٢» وتزيدين الجاهل جهلا، قال ثُمَّ رَجَعَ حَتَّى عَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا ثُمَّ أَتَاهَا فَقَالَ: إِنَّكِ لَشَرَابٌ طَيِّبٌ إِلَّا أَنَّكِ تصبين الحليم وتزيدين الجاهل جهلا، قال ثم شربها حتى غلب عَلَى عَقْلِهِ قَالَ فَأُرِيَ الْخَاتَمَ أَوْ خُتِمَ بِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَذَلَّ، قَالَ وَكَانَ مُلْكُهُ في خاتمه فأتى به سليمان عليه الصلاة والسلام فقال إنا قَدْ أُمِرْنَا بِبِنَاءِ هَذَا الْبَيْتِ وَقِيلَ لَنَا لَا يُسْمَعَنَّ فِيهِ صَوْتُ حَدِيدٍ قَالَ فَأَتَى بِبَيْضِ الْهُدْهُدِ فَجَعَلَ عَلَيْهِ زُجَاجَةً فَجَاءَ الْهُدْهُدُ فَدَارَ حَوْلَهَا فَجَعَلَ يَرَى بَيْضَهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَذَهَبَ فَجَاءَ بِالْمَاسِ فَوَضَعَهُ عَلَيْهِ فَقَطَعَهَا بِهِ حَتَّى أَفْضَى إِلَى بَيْضِهِ فَأَخَذَ الْمَاسَ فَجَعَلُوا يَقْطَعُونَ بِهِ الْحِجَارَةَ وَكَانَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ الصلاة والسلام إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ أَوِ الْحَمَّامَ لَمْ يَدْخُلْ بِخَاتَمِهِ فَانْطَلَقَ يَوْمًا إِلَى الْحَمَّامِ، وَذَلِكَ الشَّيْطَانُ صَخْرٌ مَعَهُ وَذَلِكَ عِنْدَ مُقَارَفَةٍ قارف فيها بَعْضَ نِسَائِهِ قَالَ فَدَخَلَ الْحَمَّامَ وَأَعْطَى الشَّيْطَانَ خَاتَمَهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَالْتَقَمَتْهُ سَمَكَةٌ وَنُزِعَ مُلْكُ سُلَيْمَانَ مِنْهُ وَأُلْقِيَ عَلَى الشَّيْطَانِ شَبَهُ سُلَيْمَانَ قَالَ فَجَاءَ فَقَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَسَرِيرِهِ وَسُلِّطَ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ كُلِّهِ غَيْرَ نِسَائِهِ فجعل يقضي بينهم وجعلوا ينكرون منه


(١) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٥٨٠.
(٢) تصبين الحليم: أي تجعلينه يفعل فعل أهل اللهو والجهل.

<<  <  ج: ص:  >  >>