﴿أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] وقال ﷻ: ﴿فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ﴾ [الملك: ٢٧] الآية. وقوله ﵎: ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ﴾ قال قتادة وقفت القلوب في الحناجر من الخوف فلا تخرج ولا تعود إلى أماكنها، وكذا قال عكرمة والسدي وغير واحد، ومعنى كاظمين أي ساكتين لا يتكلم أحد إلا بإذنه ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً﴾ [النبأ: ٣٨] وقال ابن جريج ﴿كاظِمِينَ﴾ أي باكين. وقوله ﷾: ﴿ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ﴾ أي ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم ولا شفيع يشفع فيهم بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير.
وقوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ يخبر ﷿ عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله تعالى حق الحياء ويتقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه فإنه ﷿ يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر. قال ابن عباس ﵄ في قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم وفيهم المرأة الحسناء أو تمر به وبهم المرأة الحسناء فإذا غفلوا لحظ إليها فإذا فطنوا غض بصره عنها فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض، وقد اطلع الله تعالى من قلبه أنه ود أن لو اطلع على فرجها. رواه ابن أبي حاتم، وقال الضحاك ﴿خائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾ هو الغمز وقول الرجل رأيت ولم ير. أو لم أر وقد رأى. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يعلم الله تعالى من العين في نظرها هل تريد الخيانة أم لا؟ وكذا قال مجاهد وقتادة، وقال ابن عباس ﵄ في قوله تعالى: ﴿وَما تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ يعلم إذا أنت قدرت عليها هل تزني بها أم لا؟ وقال السدي ﴿وَما تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ أي من الوسوسة.
وقوله ﷿: ﴿وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ أي يحكم بالعدل، قال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ وهذا الذي فسر به ابن عباس ﵄ في هذه الآية كقوله ﵎: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١] وقوله جل وعلا: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ أي من الأصنام والأوثان والأنداد ﴿لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ أي لا يملكون شيئا ولا يحكمون بشيء ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ أي سميع لأقوال خلقه بصير بهم فيهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الحاكم العادل في جميع ذلك.