صحة ما جاءكم به فمن العقل والرأي التام والحزم أن تتركوه ونفسه فلا تؤذوه فإن يك كاذبا فإن الله ﷾ سيجازيه على كذبه بالعقوبة في الدنيا والآخرة وإن يكن صادقا وقد آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم فإنه يتوعدكم إن خالفتموه بعذاب في الدنيا والآخرة فمن الجائز عندكم أن يكون صادقا فينبغي على هذا أن لا تتعرضوا له بل اتركوه وقومه يدعوهم ويتبعونه. وهكذا أخبر الله ﷿ عن موسى ﵇ أنه طلب من فرعون وقومه الموادعة في قوله: ﴿وَلَقَدْ فَتَنّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ﴾.
﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ﴾ [الدخان: ١٧ - ٢١] وهكذا قال رسول الله ﷺ لقريش أن يتركوه يدعو إلى الله تعالى عباد الله ولا يمسوه بسوء وأن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة في ترك أذيته.
قال الله ﷿: ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى﴾ [الشورى: ٣٢] أي إلا أن لا تؤذوني فيما بيني وبينكم من القرابة فلا تؤذوني وتتركوا بيني وبين الناس، وعلى هذا وقعت الهدنة يوم الحديبية وكان فتحا مبينا، وقوله جل وعلا: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ﴾ أي لو كان هذا الذي يزعم أن الله تعالى أرسله إليكم كاذبا كما تزعمون لكان أمره بينا يظهر لكل أحد في أقواله وأفعاله فكانت تكون في غاية الاختلاف والاضطراب وهذا نرى أمره سديدا ومنهجه مستقيما، ولو كان من المسرفين الكذابين لما هداه الله وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره وفعله، ثم قال المؤمن محذرا قومه زوال نعمة الله عنهم وحلول نقمة الله بهم:
﴿يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي قد أنعم الله عليكم بهذا الملك والظهور في الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض فراعوا هذه النعمة بشكر الله تعالى وتصديق رسوله ﷺ واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله.
﴿فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا﴾ أي لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ولا ترد عنا شيئا من بأس الله إن أرادنا بسوء قال فرعون لقومه رادا على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار الراشد الذي كان أحق بالملك من فرعون ﴿ما أُرِيكُمْ إِلاّ ما أَرى﴾ أي ما أقول لكم وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي وقد كذب فرعون فإنه كان يتحقق صدق موسى ﵇ فيما جاء به من الرسالة ﴿قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ﴾ [الإسراء: ١٠٢] وقال الله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤] فقوله:
﴿ما أُرِيكُمْ إِلاّ ما أَرى﴾ كذب فيه وافترى وخان الله ﵎ ورسوله ﷺ ورعيته فغشهم وما نصحهم وكذا قوله: ﴿وَما أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرَّشادِ﴾ أي وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصدق والرشد وقد كذب أيضا في ذلك وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه قال الله ﵎: ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ [هود: ٩٧] وقال جلت عظمته: ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى﴾ [طه: ٧٩] وفي الحديث «ما من إمام يموت يوم يموت وهو غاش