﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ قالت: فهو المؤذن إذا قال حي على الصلاة فقد دعا إلى الله وهكذا قال ابن عمر ﵄ وعكرمة إنها نزلت في المؤذنين وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي ﵁ أنه قال في قوله ﷿ ﴿وَعَمِلَ صالِحاً﴾ قال: يعني صلاة ركعتين بين الأذان والإقامة.
ثم أورد البغوي حديث عبد الله بن المغفل ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «بين كل أذانين-صلاة-ثم قال في الثالثة-لمن شاء»(١) وقد أخرجه الجماعة في كتبهم من حديث عبد الله بن بريدة عنه وحديث الثوري عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك ﵁ قال قال الثوري: لا أراه إلا قد رفعه إلى النبي ﷺ«الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة» ورواه أبو داود والترمذي والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث الثوري به وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ورواه النسائي أيضا من حديث سليمان التيمي عن قتادة عن أنس به. والصحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم فأما حال نزول هذه الآية فإنه لم يكن الأذان مشروعا بالكلية لأنها مكية والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة حين أريه عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري ﵁ في منامه فقصه على رسول الله ﷺ فأمره أن يلقيه على بلال ﵁ فإنه أندى صوتا كما هو مقرر في موضعه فالصحيح إذن أنها عامة كما قال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ فقال هذا حبيب الله هذا ولي الله هذا صفوة الله هذا خيرة الله هذا أحب أهل الأرض إلى الله أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحا في إجابته وقال إنني من المسلمين هذا خليفة الله.
وقوله تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ﴾ أي فرق عظيم بين هذه وهذه ﴿اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه كما قال عمر ﵁:
ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
وقوله ﷿: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ وهو الصديق أي إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك، ثم قال ﷿:
﴿وَما يُلَقّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ أي وما يقبل هذه الموصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك فإنه يشق على النفوس ﴿وَما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ أي ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر
(١) أخرجه البخاري في الأذان باب ١٤، ١٦، ومسلم في المسافرين حديث ٣٠٤، وأبو داود في التطوع باب ١١، والترمذي في الصلاة باب ٢٢، والنسائي في الأذان باب ٣٩، وابن ماجة في الإقامة باب ١١٠، والدارمي في الصلاة باب ١٤٥، وأحمد في المسند ٤/ ٨٦، ٥/ ٥٤، ٥٦، ٥٧.