للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب قالا: حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا إسحاق بن أبي طلحة، حدثني أنس بن مالك، وهو عمه . قال: قال رسول الله : «لله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كانت راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك-أخطأ من شدة الفرح» (١). وقد ثبت أيضا في الصحيح من رواية عبد الله بن مسعود نحوه.

وقال عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ﴾ إن أبا هريرة قال: قال رسول الله : «لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته في المكان الذي يخاف أن يقتله فيه العطش» وقال همام بن الحارث: سئل ابن مسعود عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها؟ قال: لا بأس به، وقرأ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ﴾ الآية، رواه ابن جرير (٢) وابن أبي حاتم من حديث شريح القاضي عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي، عن همام فذكره، وقوله ﷿: ﴿وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ﴾ أي يقبل التوبة في المستقبل، ويعفو عن السيئات في الماضي ﴿وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ﴾ أي هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم ومع هذا يتوب على من تاب إليه.

وقوله تعالى: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ قال السدي: يعني يستجيب لهم، وكذا قال ابن جرير (٣): معناه يستجيب الدعاء لهم ولأصحابهم وإخوانهم، وحكاه عن بعض النحاة، وأنه جعلها كقوله ﷿: ﴿فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٥] ثم روى هو وابن أبي حاتم من حديث الأعمش عن شقيق بن سلمة، عن سلمة بن سبرة قال: خطبنا معاذ بالشام، فقال: أنتم المؤمنون وأنتم أهل الجنة، والله إني لأرجو أن يدخل الله تعالى من تسبون من فارس والروم الجنة وذلك بأن أحدكم إذا عمل له-يعني أحدهم عملا قال: أحسنت رحمك الله، أحسنت بارك الله فيك ثم قرأ ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾.

وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه جعل قوله: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ كقوله ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ﴾ [الزمر: ١٨] أي هم الذين يستجيبون للحق ويتبعونه كقوله : ﴿إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ﴾ [الأنعام: ٣٦] والمعنى الأول أظهر لقوله تعالى: ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي يستجيب دعاءهم ويزيدهم فوق ذلك. ولهذا قال


(١) أخرجه مسلم في التوبة حديث ٧.
(٢) تفسير الطبري ١١/ ١٤٧.
(٣) تفسير الطبري ١١/ ١٤٧، ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>