للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها أنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان، فقال:

﴿إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ أي هذه الكلمة وهي عبادة الله وحده لا شريك له وخلع ما سواه من الأوثان، وهي لا إله إلا الله أي جعلها دائمة في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله تعالى من ذرية إبراهيم ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي إليها.

قال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم في قوله ﷿: ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ يعني لا إله إلا الله لا يزال في ذريته من يقولها (١)، وروي نحوه عن ابن عباس . وقال ابن زيد: كلمة الإسلام وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة، ثم قال جل وعلا: ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ﴾ يعني المشركين ﴿وَآباءَهُمْ﴾ أي فتطاول عليهم العمر في ضلالهم ﴿حَتّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ﴾ أي بيّن الرسالة والنذارة ﴿وَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنّا بِهِ كافِرُونَ﴾ أي كابروه وعاندوه ودفعوا بالصدور والراح كفرا وحسدا وبغيا ﴿وَقالُوا﴾ أي كالمعترضين على الذي أنزله تعالى وتقدس ﴿لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ أي هلا كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير في أعينهم من القريتين؟ يعنون مكة والطائف، قاله ابن عباس وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي وقتادة والسدي وابن زيد، وقد ذكر غير واحد منهم أنهم أرادوا بذلك الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي.

وقال مالك عن زيد بن أسلم والضحاك والسدي: يعنون الوليد بن المغيرة ومسعود بن عمرو الثقفي. وعن مجاهد: يعنون عمير بن عمرو بن مسعود الثقفي وعنه أيضا أنهم يعنون عتبة بن ربيعة. وعن ابن عباس : جبارا من جبابرة قريش، وعنه أنهم يعنون الوليد بن المغيرة وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، وعن مجاهد: يعنون عتبة بن ربيعة بمكة وابن عبد يا ليل بالطائف. وقال السدي: عنوا بذلك الوليد بن المغيرة وكنانة بن عمرو بن عمير الثقفي، والظاهر أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان قال الله رادا عليهم في هذا الاعتراض ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ أي ليس الأمر مردودا إليهم. بل إلى الله ﷿، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلبا ونفسا. وأشرفهم بيتا، وأطهرهم أصلا.

ثم قال ﷿ مبينا أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة، فقال: ﴿نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ﴾ الآية. وقوله جلت عظمته: ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا﴾


(١) انظر تفسير الطبري ١١/ ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>