﵁، والصحيح أن حال نزول هذه الآية لم يكن سعد بن معاذ ﵁ موجودا، لأنه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام قلائل سنة خمس، وهذه الآيات نزلت في وفد بني تميم، والوفود إنما تواتروا في سنة تسع من الهجرة، والله أعلم.
وقال ابن جرير (١): حدثنا أبو كريب، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا أبو ثابت بن ثابت بن قيس بن شماس، حدثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه ﵁ قال: لما نزلت هذه الآية ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾ قال: قعد ثابت بن قيس ﵁ في الطريق يبكي، قال: فمر به عاصم بن عدي من بني العجلان فقال: ما يبكيك يا ثابت؟ قال: هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت فيّ وأنا صيت رفيع الصوت. قال: فمضى عاصم بن عدي ﵁ إلى رسول الله ﷺ، قال:
وغلبه البكاء فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال لها: إذا دخلت بيت فرسي فشدي على الضبة بمسمار، فضربته بمسمار حتى إذا خرج عطفه وقال: لا أخرج حتى يتوفاني الله تعالى، أو يرضى عني رسول الله ﷺ.
قال: وأتى عاصم ﵁ رسول الله ﷺ فأخبره خبره فقال: «اذهب فادعه لي» فجاء عاصم ﵁ إلى المكان فلم يجده، فجاء إلى أهله، فوجده في بيت الفرس فقال له:
إن رسول الله ﷺ يدعوك، فقال: اكسر الضبة، قال: فخرجا فأتيا النبي ﷺ فقال له رسول الله ﷺ: «ما يبكيك يا ثابت؟» فقال ﵁: أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾ فقال النبي ﷺ:
«أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟» فقال: رضيت ببشرى الله تعالى ورسوله ﷺ ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول الله ﷺ.
قال: وأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى﴾ الآية.
وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين كذلك، فقد نهى الله ﷿ عن رفع الأصوات بحضرة رسول الله ﷺ وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي ﷺ قد ارتفعت أصواتهما، فجاء فقال: أتدريان أين أنتما؟ ثم قال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا. وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره ﷺ كما كان يكره في حياته ﵊، لأنه محترم حيا وفي قبره صلوات الله وسلامه عليه دائما، ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه، بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم، ولهذا قال