للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبد شيئا غير هذا أن يجيء إلى طعام مقدور وخباء مضروب، فلما جاء سلمان أرسلاه إلى رسول الله يطلب لهما إداما، فانطلق فأتى رسول الله ومعه قدح له فقال: يا رسول الله بعثني أصحابي لتؤدمهم إن كان عندك. قال : «ما يصنع أصحابك بالأدم؟ قد ائتدموا» فرجع سلمان يخبرهما بقول رسول الله فانطلقا حتى أتيا رسول الله فقالا:

والذي بعثك بالحق ما أصبنا طعاما منذ نزلنا. قال رسول الله : «إنكما قد ائتدمتما بسلمان بقولكما» قال: ونزلت ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً﴾ إنه كان نائما.

وروى الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المختار من طريق حبّان بن هلال عن حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس بن مالك ، قال: كانت العرب تخدم بعضها بعضا في الأسفار، وكان مع أبي بكر وعمر ، رجل يخدمهما فناما فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعاما فقالا: إن هذا لنؤوم فأيقظاه، فقالا له: ائت رسول الله فقل له إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام ويستأدمانك فقال : «إنهما قد ائتدما» فجاءا فقالا يا رسول الله بأي شيء ائتدمنا؟ فقال : «بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين ثناياكما» فقالا : استغفر لنا يا رسول الله، فقال «مراه فليستغفر لكما».

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا محمد بن مسلم عن محمد بن إسحاق، عن عمه موسى بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «من أكل من لحم أخيه في الدنيا قرب الله إليه لحمه في الآخرة فيقال له كله ميتا كما أكلته حيا -قال-فيأكله ويكلح (١) ويصيح» غريب جدا.

وقوله ﷿: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ أي فيما أمركم به ونهاكم عنه فراقبوه في ذلك واخشوا منه ﴿إِنَّ اللهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ﴾ أي تواب على من تاب إليه رحيم لمن رجع إليه واعتمد عليه. قال الجمهور من العلماء: طريق المغتاب للناس في توبته أن يقلع عن ذلك ويعزم على أن لا يعود، وهل يشترط الندم على ما فات؟ فيه نزاع، وأن يتحلل من الذي اغتابه. وقال آخرون:

لا يشترط أن يتحلله فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه فطريقه إذا أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها، وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته، فتكون تلك بتلك كما قال الإمام أحمد (٢)، حدثنا أحمد بن الحجاج، حدثنا عبد الله، أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبد الله بن سليمان أن إسماعيل بن يحيى المعافري أخبره أن سهل بن معاذ بن أنس الجهني أخبره عن أبيه عن النبي قال: «من حمى مؤمنا من منافق يغتابه، بعث الله تعالى إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مؤمنا بشيء


(١) يكلح: يعبس حتى تبدو أسنانه.
(٢) المسند ٣/ ٤٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>