للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الأحنف بن قيس: صاحب اليمين يكتب الخير وهو أمير على صاحب الشمال فإن أصاب العبد خطيئة قال له أمسك، فإن استغفر الله تعالى نهاه أن يكتبها وإن أبى كتبها، رواه ابن أبي حاتم، وقال الحسن البصري وتلا هذه الآية ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ﴾ يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة فعند ذلك يقول تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ ثم يقول: عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى أنه ليكتب قوله أكلت شربت ذهبت جئت رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر وألقي سائره، وذلك قوله تعالى: ﴿يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ﴾ [الرعد: ٣٩] وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه فبلغه عن طاوس أنه قال يكتب الملك كل شيء حتى الأنين فلم يئن أحمد حتى مات . وقوله : ﴿وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ يقول ﷿: وجاءت أيها الإنسان سكرة الموت بالحق أي كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه ﴿ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ أي هذا هو الذي كنت تفر منه قد جاءك فلا محيد ولا مناص ولا فكاك ولا خلاص.

وقد اختلف المفسرون في المخاطب بقوله: ﴿وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ فالصحيح أن المخاطب بذلك الإنسان من حيث هو، وقيل الكافر، وقيل غير ذلك، وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان، أخبرنا عباد بن عباد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه، عن جده علقمة بن وقاص قال: إن عائشة قالت:

حضرت أبي وهو يموت، وأنا جالسة عند رأسه فأخذته غشية، فتمثلت ببيت من الشعر:

من لا يزال دمعه مقنّعا … فإنه لا بدّ مرّة مدقوق (١)


(١) الرواية عند ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث ٤/ ١١٥. من لا يزال دمعه مقنّعا لا بدّ يوما أن يهراق هكذا ورد، وتصحيحه: من لا يزال دمعه مقنّعا لا بدّ يوما أنّه يهراق وهو من الضرب الثاني من بحر الرجز، ورواه بعضهم: ومن لا يزال الدّمع فيه مقنّعا فلا بدّ يوما أنه مهراق وهو من الضرب الثالث من الطويل، فسّروا المقنع بأنه المحبوس في جوفه»، وكذلك الرواية في النهاية في غريب الحديث للزمخشري ٣/ ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>