للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول: ﴿هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ أي معتمد محضر بلا زيادة ولا نقصان. وقال مجاهد: هذا كلام الملك السائق، يقول ابن آدم الذي وكلتني به قد أحضرته وقد اختار ابن جرير أنه يعم السائق والشهيد، وله اتجاه وقوة، فعند ذلك يحكم الله تعالى في الخليقة بالعدل فيقول: ﴿أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ﴾ وقد اختلف النحاة في قوله: ﴿أَلْقِيا﴾ فقال بعضهم هي لغة لبعض العرب يخاطبون المفرد بالتثنية كما روي عن الحجاج أنه كان يقول يا حرسي اضربا عنقه، ومما أنشد ابن جرير (١) على هذه قول الشاعر: [الطويل] فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر … وإن تتركاني أحم عرضا ممنّعا (٢)

وقيل: بل هي نون التأكيد سهلت إلى الألف، وهذا بعيد لأن هذا إنما يكون في الوقف، والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد، فالسائق أحضره إلى عرصة الحساب، فلما أدى الشهيد عليه أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم، وبئس المصير ﴿أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ﴾ أي كثير الكفر والتكذيب بالحق عنيد معاند للحق، معارض له بالباطل مع علمه بذلك ﴿مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ﴾ أي لا يؤدي ما عليه من الحقوق ولا بر فيه ولا صلة ولا صدقة ﴿مُعْتَدٍ﴾ أي فيما ينفقه ويصرفه يتجاوز فيه الحد.

وقال قتادة: معتد في منطقه وسيره وأمره ﴿مُرِيبٍ﴾ أي شاك في أمره مريب لمن نظر في أمره ﴿الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ﴾ أي أشرك بالله فعبد معه غيره ﴿فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ﴾ وقد تقدم في الحديث أن عنقا من النار يبرز للخلائق فينادي بصوت يسمع الخلائق: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلها آخر، وبالمصورين (٣)، ثم تلوى عليهم، قال الإمام أحمد (٤): حدثنا معاوية هو ابن هشام، حدثنا شيبان عن فراس عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن نبي الله أنه قال: «يخرج عنق من النار يتكلم يقول وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلها آخر، ومن قتل نفسا بغير نفس فتنطوي عليهم فتقذفهم في غمرات جهنم».

﴿قالَ قَرِينُهُ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم: هو الشيطان الذي وكل به ﴿رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ﴾ أي يقول عن الإنسان الذي قد وافى القيامة كافرا يتبرأ منه شيطانه فيقول: ﴿رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ﴾ أي ما أضللته ﴿وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ أي بل كان هو في نفسه ضالا قابلا للباطل معاندا للحق، كما أخبر في الآية الأخرى في قوله:


(١) تفسير الطبري ١١/ ٤٢٢.
(٢) البيت لسويد بن كراع العكلي في لسان العرب (جزز)، والتنبيه والإيضاح ٢/ ٢٣٩، وتاج العروس (جزز)، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٨٣٩، والمخصص ٢/ ٥.
(٣) أخرجه الترمذي في صفة جهنم باب ١، وأحمد في المسند ٢/ ٣٣٦.
(٤) المسند ٣/ ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>