للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي صحيح مسلم عن أنس قال: قال رسول الله : «أنا أول من تنشق عنه الأرض» (١)، وقوله ﷿: ﴿ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ﴾ أي تلك إعادة سهلة علينا، يسيرة لدينا كما قال : ﴿وَما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر: ٥٠].

وقال : ﴿ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [لقمان: ٢٨] وقوله جل وعلا: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ﴾ أي نحن علمنا محيط بما يقول لك المشركون من التكذيب فلا يهولنك ذلك كقوله: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٧ - ٩٩].

وقوله : ﴿وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ﴾ أي ولست بالذي تجبر هؤلاء على الهدى، وليس ذلك مما كلفت به. وقال مجاهد وقتادة والضحاك ﴿وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ﴾ أي لا تتجبر عليهم، والقول الأول أولى، ولو أراد ما قالوه لقال: ولا تكن جبارا عليهم، وإنما قال:

﴿وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ﴾ بمعنى وما أنت بمجبرهم على الإيمان إنما أنت مبلغ، وقال الفراء:

سمعت العرب تقول جبر فلان فلانا على كذا بمعنى أجبره، ثم قال ﷿: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ﴾ أي بلغ أنت رسالة ربك فإنما يتذكر من يخاف الله ووعيده ويرجو وعده، كقوله تعالى: ﴿فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ﴾ [الرعد: ٤٠] وقوله : ﴿فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية: ٢١ - ٢٢] ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢] ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ﴾ [القصص: ٥٦] ولهذا قال تعالى هاهنا: ﴿وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ﴾ كان قتادة يقول: اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك ويرجو موعودك يا بار يا رحيم.

آخر تفسير سورة ق والحمد لله وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل.


(١) أخرجه مسلم في الفضائل حديث ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>