للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله ربه بقلبه ولم يره ببصره.

وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن علي بن مسهر، عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة أنه قال في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى﴾ قال رأى جبريل (١).

وقال مجاهد في قوله: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى﴾ قال: رأى رسول الله جبريل في صورته مرتين، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس وغيرهم. وقوله تعالى: ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى﴾ قد تقدم في أحاديث الإسراء أنه غشيتها الملائكة مثل الغربان وغشيها نور الرب وغشيتها ألوان ما أدري ما هي؟ وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا مالك بن مغول، حدثنا الزبير بن عدي عن طلحة عن مرة عن عبد الله هو ابن مسعود قال: لما أسري برسول الله انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى﴾ قال فراش من ذهب، قال:

وأعطي رسول الله ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله شيئا من أمته المقحمات (٣). انفرد به مسلم (٤).

وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره-شك أبو جعفر- قال: لما أسري برسول الله انتهى إلى السدرة، فقيل له إن هذه السدرة، فغشيها نور الخلاق وغشيتها الملائكة مثل الغربان حين يقعن على الشجر، وقال فكلمه عند ذلك فقال له سل.

وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى﴾ قال كان أغصان السدرة لؤلؤا وياقوتا وزبرجدا، فرآها النبي ورأى ربه بقلبه، وقال ابن زيد قيل: يا رسول الله أي شيء رأيت يغشى تلك السدرة؟ قال: «رأيت يغشاها فراش من ذهب، ورأيت على كل ورقة من ورقها ملكا قائما يسبح الله ﷿».

وقوله تعالى: ﴿ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى﴾ قال ابن عباس : ما ذهب يمينا ولا شمالا ﴿وَما طَغى﴾ ما جاوز ما أمر به، وهذه صفة عظيمة في الثبات والطاعة فإنه ما فعل إلا ما أمر به ولا سأل فوق ما أعطي، وما أحسن ما قال الناظم:

رأى جنة المأوى وما فوقها ولو … رأى غيره ما قد رآه لتاها

وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى﴾ كقوله: ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى﴾ [طه:٢٣] أي الدالة على قدرتنا وعظمتنا، وبهاتين الآيتين استدل من ذهب من أهل السنة أن الرؤية


(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٨٣.
(٢) المسند ١/ ٤٢٢.
(٣) المقحمات: الذنوب العظام التي تقحم أصحابها في النار.
(٤) كتاب الإيمان حديث ٢٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>