يقول تعالى: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ﴾ يوم القيامة كما دلت عليه هذه الآيات مع ما شاكلها من الآيات الواردة في معناها كقوله تعالى: ﴿وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ﴾ وقوله:
﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً﴾ [الفرقان: ٢٥] وقوله: ﴿إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ﴾ [الانشقاق: ١ - ٢] وقوله تعالى: ﴿فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ﴾ أي تذوب كما يذوب الدردي والفضة في السبك، وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها، فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء، وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم.
وقد قال الإمام أحمد (١): حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء، حدثنا نافع أبو غالب الباهلي، حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم» قال الجوهري: الطش المطر الضعيف، وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَرْدَةً كَالدِّهانِ﴾ قال: هو الأديم الأحمر، وقال أبو كدينة عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس ﴿فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ﴾ كالفرس الورد، وقال العوفي عن ابن عباس: تغير لونها، وقال أبو صالح: كالبرذون الورد، ثم كانت بعد كالدهان.
وحكى البغوي وغيره أن الفرس الورد تكون في الربيع صفراء، وفي الشتاء حمراء، فإذا اشتد البرد تغير لونها، وقال الحسن البصري: تكون ألوانا. وقال السدي: تكون كلون البغلة الوردة، وتكون كالمهل كدردي الزيت، وقال مجاهد ﴿كَالدِّهانِ﴾ كألوان الدهان، وقال عطاء الخراساني: كلون دهن الورد في الصفرة، وقال قتادة: هي اليوم خضراء ويومئذ لونها إلى الحمرة يوم ذي ألوان. وقال أبو الجوزاء: في صفاء الدهن. وقال ابن جريج: تصير السماء كالدهن الذائب وذلك حين يصيبها حر جهنم.
وقوله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ﴾ وهذه كقوله تعالى: ﴿هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [الرسلات: ٣٥ - ٣٦] فهذا في حال وثم حال يسأل الخلائق عن جميع أعمالهم، وقال الله تعالى: ﴿فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر:
٩٢ - ٩٣] ولهذا قال قتادة: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ﴾ قال: قد كانت مسألة ثم ختم على أفواه القوم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا، لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول: لم عملتم كذا وكذا؟ فهذا قول ثان. وقال مجاهد في هذه الآية: لا تسأل الملائكة عن المجرمين بل يعرفون بسيماهم، وهذا قول ثالث، وكأن هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النار فذلك الوقت لا يسألون عن