للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه قول النبي في عمر «فلم أر عبقريا يفري فريه» (١) وعلى كل تقدير فصفة مرافق أهل الجنتين الأوليين أرفع وأعلى من هذه الصفة فإنه قد قال هناك: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ فنعت بطائن فرشهم وسكت عن ظهائرها اكتفاء بما مدح به البطائن بطريق الأولى والأحرى وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات المتقدمة ﴿هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ؟﴾ فوصف أهلها بالإحسان، وهو أعلى المراتب والنهايات كما في حديث جبريل لما سأل عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان، فهذه وجوه عديدة في تفضيل الجنتين الأوليين على هاتين الأخريين، ونسأل الله الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل الأوليين.

ثم قال: ﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ﴾ أي هو أهل أن يجل فلا يعصى، وأن يكرم فيعبد، ويشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى، وقال ابن عباس ﴿ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ﴾ ذي العظمة والكبرياء.

وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا موسى بن داود، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن عمير بن هانئ عن أبي العذراء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله : «أجلوا الله يغفر لكم» وفي الحديث الآخر «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وذي السلطان، وحامل القرآن غير المغالي فيه ولا الجافي عنه» (٣) وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو يوسف الحربي حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا حماد، حدثنا حميد الطويل عن أنس أن رسول الله قال: «ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام» (٤) وكذا رواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به، ثم قال غلط المؤمل فيه وهو غريب وليس بمحفوظ، وإنما يروى هذا عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن النبي .

وقد قال الإمام أحمد (٥): حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن حسان المقدسي عن ربيعة بن عامر قال: سمعت رسول الله يقول: «ألظوا بذي الجلال والإكرام» ورواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك به، وقال الجوهري ألظ فلان بفلان إذا لزمه، وقول ابن مسعود ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام أي الزموا، يقال: الإلظاظ هو الإلحاح. [قلت] وكلاهما قريب من الآخر، والله أعلم، وهو المداومة واللزوم والإلحاح.

وفي صحيح مسلم والسنن الأربعة من حديث عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت: كان رسول الله إذا سلم لا يقعد يعني بعد الصلاة إلا بقدر ما يقول: «اللهم أنت السلام ومنك


(١) أخرجه البخاري في المناقب باب ٢٥، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ١٩.
(٢) المسند ٥/ ١٩٩.
(٣) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٢٠.
(٤) أخرجه الترمذي في الدعوات باب ٩١.
(٥) المسند ٤/ ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>