للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَمْ تَقَعْ لِأَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى وَلَوْ كَانَ رَأَى رَبَّهُ لَأَخْبَرَ بِذَلِكَ وَلَقَالَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ سُبْحَانَ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي الْكَهْتَلَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ أَظُنُّهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَرَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ: أَمَّا مَرَّةٌ فَإِنَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يُرِيَهُ نَفْسَهُ فِي صُورَتِهِ فَأَرَاهُ صُورَتَهُ فَسَدَّ الْأُفُقَ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَإِنَّهُ صَعِدَ مَعَهُ حِينَ صَعِدَ بِهِ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى قَالَ: فَلَمَّا أَحَسَّ جِبْرِيلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَادَ فِي صُورَتِهِ وَسَجَدَ، فَقَوْلُهُ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى قال: خلق جبريل عليه السلام، وهكذا رواه أحمد وهو غريب.

[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٩ الى ٢٦]

أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣)

أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦)

يَقُولُ تَعَالَى مُقَرِّعًا لِلْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَتِهِمُ الأصنام والأنداد والأوثان، واتخاذهم البيوت لها مُضَاهَاةً لِلْكَعْبَةِ الَّتِي بَنَاهَا خَلِيلُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَكَانَتِ اللَّاتُ صَخْرَةً بَيْضَاءَ مَنْقُوشَةً وَعَلَيْهَا بَيْتٌ بِالطَّائِفِ، لَهُ أَسْتَارٌ وَسَدَنَةٌ وَحَوْلَهُ فِنَاءٌ مُعَظَّمٌ عِنْدَ أَهْلِ الطَّائِفِ، وَهُمْ ثَقِيفٌ وَمَنْ تَابَعَهَا، يَفْتَخِرُونَ بِهَا عَلَى مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ بَعْدَ قُرَيْشٌ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : وَكَانُوا قَدِ اشْتَقُّوا اسْمَهَا مِنَ اسم الله فَقَالُوا اللَّاتُ، يَعْنُونَ مُؤَنَّثَةً مِنْهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُمْ قَرَءُوا اللَّاتَّ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَفَسَّرُوهُ بِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يَلُتُّ لِلْحَجِيجِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ السَّوِيقَ، فَلَمَّا مَاتَ عَكَفُوا عَلَى قَبْرِهِ فَعَبَدُوهُ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «٣» : حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ هُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ، حدثنا أبو الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ: اللَّاتَ وَالْعُزَّى قَالَ: كَانَ اللَّاتُّ رَجُلًا يَلُتُّ السَّوِيقَ سَوِيقَ الْحَاجِّ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٤» : وَكَذَا الْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ، وَكَانَتْ شَجَرَةً عَلَيْهَا بِنَاءٌ وأستار


(١) المسند ١/ ٤٠٧.
(٢) تفسير الطبري ١١/ ٥٢٠.
(٣) كتاب التفسير، تفسير سورة ٥٣، باب ٢.
(٤) تفسير الطبري ١١/ ٥٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>