للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيت فالدنيا وغدارة عيشها، مضيت أنا وأصحابي لم نتعلق منها بشيء ولم تتعلق منا ولم نردها ولم تردنا، ثم جاءت الرعلة الثانية من بعدنا وهم أكثر منا أضعافا، فمنهم المرتع ومنهم الآخذ الضغث ونجوا على ذلك، ثم جاء عظم الناس فمالوا في المرج يمينا وشمالا فإنا لله وإنا إليه راجعون. وأما أنت فمضيت على طريقة صالحة، فلن تزال عليها حتى تلقاني، وأما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات وأنا في أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف سنة، أنا في آخرها ألفا، وأما الرجل الذي رأيت على يميني الآدم الشثل فذلك موسى ، إذا تكلم يعلو الرجال بفضل كلام الله إياه، والذي رأيت عن يساري الباذ الربعة الكثير خيلان الوجه كأنما حمم شعره بالماء، فذلك عيسى ابن مريم نكرمه لإكرام الله إياه، وأما الشيخ الذي رأيت أشبه الناس بي خلقا ووجها فذاك أبونا إبراهيم كلنا نؤمه ونقتدي به، وأما الناقة التي رأيت ورأيتني أبعثها فهي الساعة علينا تقوم لا نبي بعدي ولا أمة بعد أمتي «قال: فما سأل رسول الله عن رؤيا بعد هذا إلا أن يجيء الرجل فيحدثه بها متبرعا.

وقوله تعالى: ﴿عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ﴾ قال ابن عباس: أي مرمولة بالذهب يعني منسوجة به، وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم وقتادة والضحاك وغيره، وقال السدي: مرمولة بالذهب واللؤلؤ، وقال عكرمة: مشبكة بالدر والياقوت، وقال ابن جرير (١):

ومنه يسمى وضين الناقة الذي تحت بطنها، وهو فعيل بمعنى مفعول لأنه مضفور، وكذلك السرر في الجنة مضفورة بالذهب واللئالئ.

وقوله تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ﴾ أي وجوه بعضهم إلى بعض ليس أحد وراء أحد ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ أي مخلدون على صفة واحدة لا يتكبرون عنها ولا يشيبون ولا يتغيرون ﴿بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ أما الأكواب فهي الكيزان التي لا خراطيم لها ولا آذان، والأباريق التي جمعت الوصفين والكؤوس الهنابات، والجميع من خمر من عين جارية معين، ليس من أوعية تنقطع وتفرغ بل من عيون سارحة.

وقوله تعالى: ﴿لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ﴾ أي لا تصدع رؤوسهم ولا تنزف عقولهم، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة، وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول، فذكر الله تعالى خمر الجنة ونزهها عن هذه الخصال. وقال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطية وقتادة والسدي ﴿لا يُصَدَّعُونَ عَنْها﴾ يقول ليس لهم فيها صداع رأس وقالوا في قوله: ﴿وَلا يُنْزِفُونَ﴾ أي لا تذهب بعقولهم.

وقوله تعالى: ﴿وَفاكِهَةٍ مِمّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ﴾ أي ويطوفون عليهم بما يتخيرون من الثمار، وهذه الآية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخير لها، ويدل على


(١) تفسير الطبري ١١/ ٦٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>