للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمد (١): حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا عطاء بن السائب قال: كان أول يوم عرفت فيه عبد الرّحمن بن أبي ليلى رأيت شيخا أبيض الرأس واللحية على حمار، وهو يتبع جنازة فسمعته يقول: حدثني فلان بن فلان سمع رسول الله يقول: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» قال: فأكب القوم يبكون، فقال: «ما يبكيكم؟» فقالوا:

إنا نكره الموت، قال: «ليس ذاك ولكنه إذا احتضر ﴿فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله ﷿، والله ﷿ للقائه أحب ﴿وَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾ فإذا بشر بذلك كره لقاء الله والله تعالى للقائه أكره» (٢)، هكذا رواه الإمام أحمد، وفي الصحيح عن عائشة شاهد لمعناه.

وقوله تعالى: ﴿وَأَمّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ﴾ أي وأما إذا كان المحتضر من أصحاب اليمين ﴿فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ﴾ أي تبشرهم الملائكة بذلك تقول لأحدهم: سلام لك أي لا بأس عليك أنت إلى سلامة، أنت من أصحاب اليمين، وقال قتادة وابن زيد: سلم من عذاب الله وسلمت عليه ملائكة الله، كما قال عكرمة: تسلم عليه الملائكة وتخبره أنه من أصحاب اليمين، وهذا معنى حسن، ويكون ذلك كقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٠ - ٣٢].

وقال البخاري (٣) ﴿فَسَلامٌ لَكَ﴾ أي مسلم لك أنك من أصحاب اليمين، وألغيت أن وبقي معناها كما تقول أنت مصدق مسافر عن قليل إذا كان قد قال إني مسافر عن قليل، وقد يكون كالدعاء له كقولك سقيا لك من الرجال إن رفعت السّلام، فهو من الدعاء، وقد حكاه ابن جرير هكذا عن بعض أهل العربية ومال إليه والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ أي وأما إن كان المحتضر من المكذبين بالحق الضالين عن الهدى ﴿فَنُزُلٌ﴾ أي فضيافة ﴿مِنْ حَمِيمٍ﴾ وهو المذاب الذي يصهر به ما في بطونهم والجلود ﴿وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ أي وتقرير له في النار التي تغمره من جميع جهاته. ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ أي إن هذا الخبر لهو حق اليقين الذي لا مرية فيه ولا محيد لأحد عنه ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾.

قال الإمام أحمد (٤): حدثنا أبو عبد الرّحمن، حدثنا موسى بن أيوب الغافقي، حدثني


(١) المسند ٤/ ٢٥٩، ٢٦٠.
(٢) أخرجه مسلم في الذكر حديث ١٨.
(٣) كتاب التفسير، تفسير سورة ٥٦، في الترجمة.
(٤) المسند ٤/ ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>