للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ﴾ اللين نوع من التمر وهو جيد قال أبو عبيدة: وهو ما خالف العجوة والبرني من التمر، وقال كثيرون من المفسرين: اللينة ألوان التمر سوى العجوة. قال ابن جرير (١): هو جميع النخل ونقله عن مجاهد وهو البويرة (٢) أيضا، وذلك أن رسول الله لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم إهانة لهم وإرهابا وإرعابا لقلوبهم، فروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان وقتادة ومقاتل بن حيان أنهم قالوا: فبعث بنو النضير يقولون لرسول الله إنك تنهى عن الفساد فما بالك تأمر بقطع الأشجار؟ فأنزل الله هذه الآية الكريمة أي ﴿ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ﴾ وما تركتم من الأشجار فالجميع بإذنه ومشيئته وقدرته ورضاه وفيه نكاية بالعدو وخزي لهم، وإرغام لأنوفهم.

وقال مجاهد: نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل، وقالوا: إنما هي مغانم المسلمين، فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم، وإنما قطعه وتركه بإذنه، وقد روي نحو هذا مرفوعا، فقال النسائي: أخبرنا الحسن بن محمد عن عفان، حدثنا حفص بن غياث، حدثنا حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله:

﴿ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ﴾ قال:

يستنزلونهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل فحاك في صدورهم، فقال المسلمون: قطعنا بعضا وتركنا بعضا فلنسألن رسول الله هل لنا فيما قطعنا من أجر؟ وهل علينا فيما تركنا من وزر؟ فأنزل الله ﴿ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ﴾ وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا حفص عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر وعن أبي الزبير عن جابر، قال: رخص لهم في قطع النخل ثم شدد عليهم، فأتوا النبي فقالوا يا رسول الله علينا إثم فيما قطعنا أو علينا وزر فيما تركنا، فأنزل الله ﷿ ﴿ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ﴾.

وقال الإمام أحمد (٣): حدثنا عبد الرّحمن، حدثنا سفيان عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر، أن رسول الله قطع نخل بني النضير وحرق، وأخرجه صاحبا الصحيح من رواية موسى بن عقبة بنحوه، ولفظ البخاري من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر، قال: حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة، فقتل من رجالهم وسبى وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا بالنبي فأمنهم وأسلموا وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع، وهم رهط


(١) تفسير الطبري ١٢/ ٣٢.
(٢) البويرة: موضع.
(٣) المسند ٢/ ٧، ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>