للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِغَدٍ﴾ تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره-حتى قال- ولو بشق تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت رسول الله يتهلل وجهه كأنه مذهبة، فقال رسول الله : «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (١) انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبة بإسناده مثله، فقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ﴾ أمر بتقواه وهو يشمل فعل ما به أمر وترك ما عنه زجر.

وقوله تعالى: ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ تأكيد ثان ﴿إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ أي اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم، لا تخفى عليه منكم خافية ولا يغيب من أموركم جليل ولا حقير وقوله تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ أي لا تنسوا ذكر الله تعالى: فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم، فإن الجزاء من جنس العمل، ولهذا قال تعالى: ﴿أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ أي الخارجون عن طاعة الله الهالكون يوم القيامة الخاسرون يوم معادهم، كما قال تعالى:

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ [المنافقون: ٩].

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، حدثنا المغيرة، حدثنا حريز بن عثمان عن نعيم بن نمحة قال: كان في خطبة أبي بكر الصديق : أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم، فمن استطاع أن يقضي الأجل وهو في عمل الله ﷿ فليفعل، ولن تنالوا ذلك إلا بالله ﷿، إن قوما جعلوا آجالهم لغيرهم فنهاكم الله ﷿ أن تكونوا أمثالهم ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ أين من تعرفون من إخوانكم؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم وخلوا بالشقوة والسعادة، وأين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط؟ قد صاروا تحت الصخر والآبار، هذا كتاب الله لا تفنى عجائبه فاستضيئوا منه ليوم ظلمة، واستنصحوا بكتابه وتبيانه، إن الله تعالى أثنى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: ٩٠] لا خير في قول لا يراد به وجه الله ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة


(١) أخرجه مسلم في الزكاة حديث ٧٠، وأحمد في المسند ٤/ ٣٥٨، ٣٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>