للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد.

ويذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد (١): حدثنا مصعب بن سلام، حدثنا الأجلح عن قيس بن أبي مسلم عن ربعي بن خراش سمعت حذيفة يقول: ضرب لنا رسول الله أمثالا واحدا وثلاثة وخمسة وسبعة وتسعة وأحد عشر، قال فضرب لنا منها مثلا وترك سائرها قال: «إن قوما كانوا أهل ضعف ومسكنة قاتلهم أهل تجبر وعداء فأظهر الله أهل الضعف عليهم فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم وسلطوهم، فأسخطوا الله عليهم إلى يوم يلقونه» وقوله تعالى: ﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيّاكُمْ﴾ هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، ولهذا قال تعالى: ﴿أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ﴾ أي لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين كقوله تعالى: ﴿وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج: ٨] وكقوله تعالى:

﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ﴾ [الحج: ٤٠].

وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي﴾ أي إن كنتم كذلك فلا تتخذوهم أولياء، إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي باغين لمرضاتي عنكم، فلا توالوا أعدائي وأعداءكم وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقا عليكم وسخطا لدينكم. وقوله تعالى: ﴿تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ﴾ أي تفعلون ذلك وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر ﴿وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ﴾ أي لو قدروا عليكم لما اتقوا فيكم من أذى ينالونكم به بالمقال والفعال ﴿وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ أي ويحرصون على أن لا تنالوا خيرا فهم عداوتهم لكم كامنة وظاهرة فكيف توالون مثل هؤلاء؟ وهذا تهييج على عداوتهم أيضا.

وقوله تعالى: ﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي قراباتكم لا تنفعكم عند الله إذا أراد الله بكم سوءا، ونفعهم لا يصل إليكم إذا أرضيتموهم بما يسخط الله، ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخسر وضل عمله ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد، ولو كان قريبا إلى نبي من الأنبياء. قال الإمام أحمد (٢):

حدثنا عفان، حدثنا حماد عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال «في النار» فلما قفّى دعاه فقال «إن أبي وأباك في النار» (٣) ورواه مسلم وأبو داود من حديث حماد بن سلمة به.


(١). ٥/ ٤٠٧.
(٢) المسند ٣/ ١١٩.
(٣) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٣٤٧، وأبو داود في السنة باب ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>