للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصبر» وفيه نهي للمؤمنين أن ينالوا من النبي أو يوصلوا إليه أذى كما قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً﴾ [الأحزاب:٦٩].

وقوله تعالى: ﴿فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ﴾ أي فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به أزاغ الله قلوبهم عن الهدى وأسكنها الشك والحيرة والخذلان كما قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام: ١١٠] وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً﴾ [النساء: ١١٥] ولهذا قال تعالى في هذه الآية ﴿وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ يعني التوراة قد بشرت بي وأنا مصداق ما أخبرت عنه، وأنا مبشر بمن بعدي وهو الرسول النبي الأمي العربي المكي أحمد.

فعيسى هو خاتم أنبياء بني إسرائيل، وقد أقام في ملأ بني إسرائيل مبشرا بمحمد وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين الذي لا رسالة بعده ولا نبوة.

وما أحسن ما أورد البخاري الحديث الذي قال فيه: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت رسول الله يقول: «إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب» (١) ورواه مسلم من حديث الزهري به نحوه.

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال:

سمى لنا رسول الله نفسه أسماء منها ما حفظنا فقال «أنا محمد وأنا أحمد والحاشر والمقفي ونبي الرحمة والتوبة والملحمة» (٢) ورواه مسلم من حديث الأعمش عن عمرو بن مرة به.

وقد قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] الآية، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٨١] قال ابن عباس:

ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد لئن بعث محمد وهو حي ليتبعنه وأخذ عليه أن يأخذ على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه.


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٦١، باب ١، ومسلم في الفضائل حديث ١٢٤.
(٢) أخرجه مسلم في الفضائل حديث ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>