للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على من عنده من قومه وقال: هذا ما صنعتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو كففتم عنهم لتحولوا عنكم من بلادكم إلى غيرها، فسمعها زيد بن أرقم فذهب بها إلى رسول الله : وهو غليم عند عمر بن الخطاب ، فأخبره الخبر، فقال عمر : يا رسول الله مر عباد بن بشر فليضرب عنقه، قال رسول الله «فكيف إذا تحدث الناس يا عمر أن محمدا يقتل أصحابه، لا، ولكن ناد يا عمر الرحيل» فلما بلغ عبد الله بن أبي أن ذلك قد بلغ رسول الله أتاه فاعتذر إليه، وحلف بالله ما قال، ما قال عليه زيد بن أرقم، وكان عند قومه بمكان فقالوا: يا رسول الله عسى أن يكون هذا الغلام أوهم ولم يثبت ما قال الرجل.

وراح رسول الله مهجرا في ساعة كان لا يروح فيها، فلقيه أسيد بن الحضير فسلم عليه بتحية النبوة ثم قال: والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها، فقال رسول الله : «أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبي؟ زعم أنه إذا قدم المدينة سيخرج الأعز منها الأذل» قال: فأنت يا رسول الله العزيز وهو الذليل. ثم قال: ارفق به يا رسول الله، فوالله لقد جاء الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوّجه، فإنه ليرى أن قد سلبته ملكا، فسار رسول الله بالناس حتى أمسوا وليلته حتى أصبحوا، وصدر يومه حتى اشتد الضحى ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث، فلم يأمن الناس أن وجدوا مس الأرض فناموا ونزلت سورة المنافقين (١).

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا بشر بن موسى، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمر بن دينار، سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا مع رسول الله في غزاة فكسع (٢) رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار:

فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري يا للمهاجرين فقال رسول الله : «ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها فإنها منتنة».

وقال عبد الله بن أبي ابن سلول: وقد فعلوها، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال جابر: وكان الأنصار بالمدينة أكثر من المهاجرين حين قدم رسول الله ، ثم كثر المهاجرون بعد ذلك، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي : «دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» (٣) ورواه الإمام أحمد عن حسين بن محمد المروزي عن سفيان بن عيينة، ورواه البخاري عن الحميدي ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان به نحوه.


(١) انظر سيرة ابن هشام ٢/ ٢٩٠، ٢٩٢.
(٢) كسع: ضرب.
(٣) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٦٣، باب ٥، وأحمد في المسند ٣/ ٣٩٢، ٣٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>