للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً﴾ أي إنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في مدة العدة لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله تعالى في قلبه رجعتها، فيكون ذلك أيسر وأسهل، قال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن فاطمة بنت قيس في قوله تعالى:

﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً﴾ قالت: هي الرجعة، وكذا قال الشعبي وعطاء وقتادة والضحاك ومقاتل بن حيان والثوري، ومن هاهنا ذهب من ذهب من السلف ومن تابعهم كالإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى، إلى أنه لا تجب السكنى للمبتوتة (١) أي المقطوعة وكذا المتوفى عنها زوجها، واعتمدوا أيضا على حديث فاطمة بنت قيس الفهرية حين طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص آخر ثلاث تطليقات وكان غائبا عنها باليمن، فأرسل إليها بذلك فأرسل إليها وكيله بشعير يعني نفقة فتسخطته فقال: والله ليس لك علينا نفقة، فأتت رسول الله فقال: «ليس لك عليه نفقة» ولمسلم «ولا سكنى» وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال:

«تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك» (٢) الحديث.

وقد رواه الإمام أحمد (٣) من طريق أخرى بلفظ آخر فقال: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا مجالد، حدثنا عامر قال: قدمت المدينة فأتيت فاطمة بنت قيس فحدثتني أن زوجها طلقها على عهد رسول الله فبعثه رسول الله في سرية قالت: فقال لي أخوه: أخرجي من الدار، فقلت: إن لي نفقة وسكنى حتى يحل الأجل، قال: لا، قالت: فأتيت رسول الله فقلت: إن فلانا طلقني وإن أخاه أخرجني ومنعني السكنى والنفقة، فأرسل إليه فقال له: «ما لك ولابنة آل قيس؟» قال: يا رسول الله إن أخي طلقها ثلاثا جميعا، قالت: فقال رسول الله : «انظري يا بنت آل قيس إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة، فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى اخرجي فانزلي على فلانة» ثم قال إنه يتحدث إليها «انزلي على ابن أم مكتوم فإنه أعمى لا يراك» وذكر تمام الحديث.

وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الله البزار التستري، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف، حدثنا بكر بن بكار، حدثنا سعيد بن يزيد البجلي، حدثنا عامر الشعبي أنه دخل على فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس القرشي، وزوجها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي فقالت: إن أبا عمرو بن حفص أرسل إلي وهو منطلق في جيش إلى اليمن بطلاقي، فسألت أولياءه النفقة علي والسكنى فقالوا ما أرسل إلينا في ذلك شيئا ولا أوصانا به، فانطلقت إلى رسول الله فقلت يا رسول الله إن أبا عمرو بن حفص أرسل إلي بطلاقي،


(١) المبتوتة: التي تطلق طلاقا بائنا لا رجعة فيه.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٦/ ٤١٢، وأبو داود في الطلاق باب ٣٩.
(٣) المسند ٦/ ٣٧٣، ٣٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>