للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال يطلقها فإذا بقي يومان راجعها.

وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ قال كثير من العلماء منهم ابن عباس وطائفة من السلف وجماعات من الخلف: هذه في البائن إن كانت حاملا أنفق عليها حتى تضع حملها، قالوا بدليل أن الرجعية تجب نفقتها سواء كانت حاملا أو حائلا، وقال آخرون: بل السياق كله في الرجعيات وإنما نص على وجوب الإنفاق على الحامل، وإن كانت رجعية، لأن الحمل تطول مدته غالبا فاحتيج إلى النص على وجوب الإنفاق إلى الوضع، لئلا يتوهم أنه إنما تجب النفقة بمقدار مدة العدة، ثم اختلف العلماء هل النفقة لها بواسطة الحمل أم للحمل وحده؟ على قولين منصوصين عن الشافعي وغيره ويتفرع عليها مسائل كثيرة مذكورة في علم الفروع.

وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ﴾ أي إذا وضعن حملهن وهن طوالق فقد بنّ بانقضاء عدتهن ولها حينئذ أن ترضع الولد ولها أن تمتنع منه، ولكن بعد أن تغذيه باللبأ، وهو باكورة اللبن الذي لا قوام للمولود غالبا إلا به، فإن أرضعت استحقت أجرة مثلها، ولها أن تعاقد أباه أو وليه على ما يتفقان عليه من أجرة، ولهذا قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾ أي: ولتكن أموركم فيما بينكم بالمعروف من غير إضرار ولا مضارة كما قال تعالى في سورة البقرة: ﴿لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى﴾ أي وإن اختلف الرجل والمرأة فطلبت المرأة في أجرة الرضاع كثيرا، ولم يجبها الرجل إلى ذلك أو بذل الرجل قليلا ولم توافقه عليه، فليسترضع له غيرها، فلو رضيت الأم بما استؤجرت به الأجنبية فهي أحق بولدها.

وقوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ أي لينفق على المولود والده أو وليه بحسب قدرته ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها﴾ كقوله تعالى:

﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها﴾ [البقرة: ٢٨٦] روى ابن جرير (١): حدثنا ابن حميد، حدثنا حكام عن أبي سنان قال: سأل عمر بن الخطاب عن أبي عبيدة فقيل إنه يلبس الغليظ من الثياب ويأكل أخشن الطعام، فبعث إليه بألف دينار وقال للرسول: انظر ما يصنع بها إذا هو أخذها؟ فما لبث أن لبس اللين من الثياب، وأكل أطيب الطعام، فجاءه الرسول فأخبره، فقال رحمه الله تعالى تأول هذه الآية ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ﴾.

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا هاشم بن مزيد الطبراني حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، أخبرني أبي، أخبرني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن


(١) تفسير الطبري ١٢/ ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>