قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: هَذَا فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ عَهْدٌ إِذَا فَرَّتْ إِلَيْهِمُ امْرَأَةٌ وَلَمْ يَدْفَعُوا إِلَى زَوْجِهَا شَيْئًا، فَإِذَا جَاءَتْ مِنْهُمُ امْرَأَةٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى زَوْجِهَا شَيْءٌ حَتَّى يَدْفَعَ إِلَى زَوْجِ الذَّاهِبَةِ إِلَيْهِمْ مِثْلَ نَفَقَتِهِ عَلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَقَرَّ الْمُؤْمِنُونَ بِحُكْمِ اللَّهِ فَأَدَّوْا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ نَفَقَاتِ الْمُشْرِكِينَ الَّتِي أَنْفَقُوا عَلَى نِسَائِهِمْ، وَأَبَى الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُقِرُّوا بِحُكْمِ اللَّهِ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ نَفَقَاتِ المسلمين، فقال الله تعالى لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ.
فَلَوْ أَنَّهَا ذَهَبَتْ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، رَدَّ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى زَوْجِهَا النَّفَقَةَ الَّتِي أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنَ الْعَقِبِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمُ الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَرُدُّوهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ نَفَقَاتِهِمُ، الَّتِي أَنْفَقُوا عَلَى أَزْوَاجِهِمُ اللَّاتِي آمَنَّ وَهَاجَرْنَ، ثُمَّ رَدُّوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَضْلًا إِنْ كَانَ بَقِيَ لَهُمْ، وَالْعَقِبُ مَا كَانَ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ صَدَاقِ نِسَاءِ الْكُفَّارِ حِينَ آمَنَّ وَهَاجَرْنَ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، يَعْنِي إِنْ لَحِقَتِ امْرَأَةُ رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بِالْكُفَّارِ أَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يعطى مثل ما أنفق من الغنيمة، وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ فَعاقَبْتُمْ أَصَبْتُمْ غَنِيمَةً مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ غَيْرِهِمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا يَعْنِي مَهْرَ مِثْلِهَا.
وَهَكَذَا قَالَ مَسْرُوقٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَالزُّهْرِيُّ أَيْضًا. وَهَذَا لَا يُنَافِي الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ الْأَوَّلُ فَهُوَ أَوْلَى وَإِلَّا فَمِنَ الْغَنَائِمِ اللَّاتِي تُؤْخَذُ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ، وَهَذَا أَوْسَعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، ولله الحمد والمنة.
[[سورة الممتحنة (٦٠) : آية ١٢]]
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢)
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إسحاق حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ- إِلَى قَوْلِهِ- غَفُورٌ رَحِيمٌ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ بَايَعْتُكِ» كَلَامًا، وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امرأة في المبايعة قط، وما يبايعهن إلا بقوله: «قد
(١) تفسير الطبري ١٢/ ٧١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute