فقالت: تعس من كفر بالله! فقالت لها بنت فرعون: ولك رب غير أبي؟ قالت: ربي ورب أبيك ورب كل شيء الله، فلطمتها بنت فرعون وضربتها وأخبرت أباها، فأرسل فرعون إليها فقال:
تعبدين ربا غيري؟ قالت: نعم ربي وربك ورب كل شيء الله وإياه أعبد، فعذبها فرعون وأوتد لها أوتادا فشد يديها ورجليها وأرسل عليها الحيات، فكانت كذلك، فأتى عليها يوما فقال لها:
ما أنت منتهية؟ فقالت له: ربي وربك ورب كل شيء الله.
فقال لها: إني ذابح ابنك في فيك إن لم تفعلي فقالت له: اقض ما أنت قاض، فذبح ابنها في فيها، وإن روح ابنها بشرها فقال لها: أبشري يا أمه فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا، فصبرت ثم أتى عليها فرعون يوما آخر فقال لها مثل ذلك، فقالت له مثل ذلك، فذبح ابنها الآخر في فيها، فبشرها روحه أيضا وقال لها: اصبري يا أمه فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا، قال:
وسمعت امرأة فرعون كلام روح ابنها الأكبر ثم الأصغر، فآمنت امرأة فرعون وقبض الله روح امرأة خازن فرعون، وكشف الغطاء عن ثوابها ومنزلتها وكرامتها في الجنة لامرأة فرعون حتى رأت، فازدادت إيمانا ويقينا وتصديقا فأطلع الله فرعون على إيمانها فقال للملأ: ما تعلمون من آسية بنت مزاحم؟ فأثنوا عليها فقال لهم: إنها تعبد غيري، فقالوا له: اقتلها.
فأوتد لها أوتادا فشد يديها ورجليها فدعت آسية ربها فقالت ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ﴾ فوافق ذلك أن حضرها فرعون، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة، فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها إنا نعذبها وهي تضحك، فقبض الله روحها في الجنة ﵂.
وقوله تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها﴾ أي حفظته وصانته، والإحصان هو العفاف والحرية ﴿فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا﴾ أي بواسطة الملك وهو جبريل فإن الله بعثه إليها فتمثل لها في صورة بشر سوي، وأمره الله تعالى أن ينفخ بفيه في جيب درعها، فنزلت النفخة فولجت في فرجها فكان منه الحمل بعيسى ﵇، ولهذا قال تعالى: ﴿فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ﴾ أي بقدره وشرعه ﴿وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ﴾.
قال الإمام أحمد (١): حدثنا يونس، حدثنا داود بن أبي الفرات عن علباء عن عكرمة عن ابن عباس قال: خط رسول الله ﷺ في الأرض أربعة خطوط وقال: «أتدرون ما هذا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله ﷺ:«أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون».
وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة الهمداني عن أبي موسى الأشعري عن النبي ﷺ قال: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على