للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرظي وسعيد هو المقبري عن أبي هريرة قال: لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان-قال ابن أبي حاتم وقد روي عن مجاهد ومحمد بن كعب نحو ذلك، ورخص فيه ابن عباس وزيد بن ثابت.

(قلت) أبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن المدني إمام المغازي والسير، ولكن فيه ضعف، وقد رواه ابنه محمد عنه فجعله مرفوعا عن أبي هريرة، وقد أنكره عليه الحافظ بن عدي، وهو جدير بالإنكار، فإنه متروك، وقد وهم في رفع هذا الحديث، وقد انتصر البخاري في كتابه لهذا فقال: باب يقال رمضان وساق أحاديث في ذلك منها «من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه» ونحو ذلك.

وقوله: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ هذا إيجاب حتم على من شهد استهلال الشهر، أي كان مقيما في البلد حين دخل شهر رمضان، وهو صحيح في بدنه أن يصوم لا محالة، ونسخت هذه الآية الإباحة المتقدمة لمن كان صحيحا مقيما أن يفطر ويفدي بإطعام مسكين عن كل يوم كما تقدم بيانه، ولما حتّم الصيام أعاد ذكر الرخصة للمريض وللمسافر أن يفطر بشرط القضاء، فقال ﴿وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ﴾ معناه: ومن كان به مرض في بدنه يشق عليه الصيام معه أو يؤذيه، أو كان على سفر، أي في حالة السفر، فله أن يفطر، فإذا أفطر فعليه عدة ما أفطره في السفر من الأيام، ولهذا قال ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ اي إنما رخص لكم في الفطر في حال المرض والسفر مع تحتمه في حق المقيم الصحيح تيسيرا عليكم ورحمة بكم.

وهاهنا مسائل تتعلق بهذه الآية [إحداها] أنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أن من كان مقيما في أول الشهر ثم سافر في أثنائه، فليس له الإفطار بعذر السفر والحالة هذه لقوله ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وإنما يباح الإفطار لمسافر استهل الشهر وهو مسافر، وهذا القول غريب، نقله أبو محمد بن حزم في كتابه المحلى عن جماعة من الصحابة والتابعين، وفيما حكاه عنهم نظر، والله أعلم، فإنه قد ثبتت السنة عن رسول الله أنه خرج في شهر رمضان لغزوة الفتح، فسار حتى بلغ الكديد ثم أفطر، وأمر الناس بالفطر، أخرجه صاحبا الصحيح. [الثانية] ذهب آخرون من الصحابة والتابعين إلى وجوب الإفطار في السفر لقوله ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ﴾ والصحيح قول الجمهور أن الأمر في ذلك على التخيير وليس بحتم، لأنهم كانوا يخرجون مع رسول الله في شهر رمضان، قال: فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، فلو كان الإفطار هو الواجب لأنكر عليهم الصيام، بل الذي ثبت من فعل رسول الله أنه كان في مثل هذه الحالة صائما لما ثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء، قال: خرجنا مع رسول الله في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة، وما فينا صائم إلا رسول الله وعبد الله بن رواحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>