للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستهزئون به، وقال ابن جرير (١): حدثنا ابن بشار حدثنا أبو عامر، حدثنا قرة عن الحسن في قوله:

﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ﴾ أي متفرقين يأخذون يمينا وشمالا يقولون: ما قال هذا الرجل؟ وقال قتادة ﴿مُهْطِعِينَ﴾ عامدين ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ﴾ أي فرقا حول النبي لا يرغبون في كتاب الله ولا في نبيه وقال الثوري وشعبة وعبثر بن القاسم وعيسى بن يونس ومحمد بن فضيل ووكيع ويحيى القطان وأبو معاوية، كلهم عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة أن رسول الله خرج عليهم وهم حلق فقال:

«ما لي أراكم عزين؟» (٢) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير من حديث الأعمش به.

وقال ابن جرير (٣): حدثنا محمد بن بشار، حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله خرج على أصحابه وهم حلق فقال: «ما لي أراكم عزين؟» وهذا إسناده جيد ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه.

وقوله تعالى: ﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاّ﴾ أي: أيطمع هؤلاء والحالة هذه من فرارهم عن رسول الله ونفارهم عن الحق أن يدخلوا جنات النعيم؟ كلا بل مأواهم جهنم. ثم قال تعالى مقررا لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا كونه واستبعدوا وجوده مستدلا عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها، وهم معترفون بها، فقال تعالى: ﴿إِنّا خَلَقْناهُمْ مِمّا يَعْلَمُونَ﴾ أي من المني الضعيف، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ﴾ [المرسلات: ٢٠] وقال: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ﴾ [الطارق: ٥ - ١٠] ثم قال تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ﴾ أي الذي خلق السموات والأرض وجعل مشرقا ومغربا وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها. وتقدير الكلام ليس الأمر كما تزعمون أن لا معاد ولا حساب ولا بعث ولا نشور، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة، ولهذا أتى بلا في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي، وهو مضمون الكلام وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة. وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة، وهو خلق السموات والأرض وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات وسائر صنوف الموجودات، ولهذا قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾


(١) تفسير الطبري ١٢/ ٢٤١.
(٢) أخرجه مسلم في الصلاة حديث ١١٩، وأبو داود في الأدب باب ١٤، وأحمد في المسند ٥/ ٩٣، ١٠١، ١٠٧.
(٣) تفسير الطبري ١٢/ ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>