قال الشاعر:[المتقارب] إذا ما الضّجيع ثنى جيدها … تداعت فكانت عليه لباسا (١)
وكان السبب في نزول هذه الآية كما تقدم في حديث معاذ الطويل، وقال أبو إسحاق عن البراء بن عازب: كان أصحاب النبي ﷺ إذا كان الرجل صائما فنام قبل أن يفطر لم يأكل إلى مثلها، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما وكان يومه ذلك يعمل في أرضه، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، فغلبته عينه فنام، وجاءت امرأته، فلما رأته نائما قالت: خيبة لك أنمت؟ فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي ﷺ فنزلت هذه الآية ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ﴾ -إلى قوله- ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ ففرحوا بها فرحا شديدا.
ولفظ البخاري هاهنا من طريق أبي إسحاق سمعت البراء، قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فينزل الله ﴿عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ﴾.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء، حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن أناسا من المسلمين أصابوا من النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك إلى رسول الله ﷺ، فأنزل الله تعالى: ﴿عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ الآية، وكذا روى العوفي عن ابن عباس.
وقال موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس، قال: إن الناس كانوا قبل أن ينزل في الصوم ما نزل فيهم، يأكلون ويشربون ويحل لهم شأن النساء، فإذا نام أحدهم لم يطعم ولم يشرب ولا يأتي أهله حتى يفطر من القابلة، فبلغنا أن عمر بن الخطاب بعد ما نام ووجب عليه الصوم وقع على أهله، ثم جاء إلى النبي ﷺ فقال: أشكو إلى الله وإليك الذي صنعت. قال:
«وما صنعت»؟ قال: إني سولت لي نفسي، فوقعت على أهلي بعد ما نمت، وأنا أريد الصوم، فزعموا أن النبي ﷺ قال:«ما كنت خليقا أن تفعل» فنزل الكتاب ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ﴾.
وقال سعد بن أبي عروبة عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة في قول الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ﴾ -إلى قوله- ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾
(١) البيت للنابغة الجعدي في ديوانه ص ٨١؛ ومقاييس اللغة ٥/ ٢٣٠؛ وتهذيب اللغة ١٢/ ٤٤٤؛ ومجمل اللغة ٤/ ٢٦٢؛ وتاج العروس (لبس)؛ ولسان العرب (لبس)؛ والشعر والشعراء ص ٣٠٢.