للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿نَبْتَلِيهِ﴾ أي نختبره كقوله : ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الملك: ٢] ﴿فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ أي جعلنا له سمعا وبصرا يتمكن بهما من الطاعة والمعصية.

وقوله جل وعلا: ﴿إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ﴾ أي بيناه له ووضحناه وبصرناه به كقوله جل وعلا:

﴿وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى﴾ [فصلت: ١٧] وكقوله جل وعلا: ﴿وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: ١٠] أي بينا له طريق الخير وطريق الشر، وهذا قول عكرمة وعطية وابن زيد ومجاهد في المشهور عنه والجمهور. وروي عن مجاهد وأبي صالح والضحاك والسدي أنهم قالوا في قوله تعالى: ﴿إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ﴾ يعني خروجه من الرحم، وهذا قول غريب والصحيح المشهور الأول.

وقوله تعالى: ﴿إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً﴾ منصوب على الحال من الهاء في قوله: ﴿إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ﴾ تقديره فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله : «كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها» (١).

وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن ابن خثيم عن عبد الرّحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله أن النبي قال لكعب بن عجرة: «أعاذك الله من إمارة السفهاء» قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: «أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي. يا كعب بن عجرة، الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة، والصلاة قربات-أو قال برهان-يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به، يا كعب، الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها» ورواه عن عفان عن وهيب عن عبد الله بن عثمان بن خثيم به.

وقد تقدم في سورة الروم عند قوله ﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها﴾ [الروم:٣٠] من رواية جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله «كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا أعرب عنه لسانه فإما شاكرا وإما كفورا» (٣).

وقال الإمام أحمد (٤): حدثنا أبو عامر، حدثنا عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن


(١) أخرجه مسلم في الطهارة حديث ١.
(٢) المسند ٣/ ٣٢١.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٣٥٣.
(٤) المسند ٢/ ٣٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>