للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البرد الحميم ومن الشراب الغساق، وكذا قال الربيع بن أنس، فأما الحميم فهو الحار الذي قد انتهى حره وحموّه والغساق هو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم فهو بارد لا يستطاع من برده ولا يواجه من نتنه، وقد قدمنا الكلام على الغساق في سورة ﴿ص﴾ بما أغنى عن إعادته-أجارنا الله من ذلك بمنه وكرمه-قال ابن جرير وقيل المراد بقوله: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً﴾ يعني النوم كما قال الكندي: [الكامل] بردت مراشفها عليّ فصدّني … عنها وعن قبلاتها البرد (١)

يعني بالبرد النعاس والنوم. هكذا ذكره ولم يعزه إلى أحد. وقد رواه ابن أبي حاتم من طريق السدي عن مرة الطيب ونقله عن مجاهد أيضا. وحكاه البغوي عن أبي عبيدة والكسائي أيضا. وقوله تعالى: ﴿جَزاءً وِفاقاً﴾ أي هذا الذي صاروا إليه من هذه العقوبة وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا، قاله مجاهد وقتادة وغير واحد.

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً﴾ أي لم يكونوا يعتقدون أن ثم دارا يجازون فيها ويحاسبون ﴿وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً﴾ أي وكانوا يكذبون بحجج الله ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسله، فيقابلونها بالتكذيب والمعاندة. وقوله: ﴿كِذّاباً﴾ أي تكذيبا، وهو مصدر من غير الفعل، قالوا: وقد سمع أعرابي يستفتي الفراء على المروة: الحلق أحب إليك أو القصار؟ وأنشد بعضهم: [الطويل] لقد طال ما ثبّطتني عن صحابتي … وعن حوج قضاؤها من شفائيا (٢)

وقوله تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً﴾ أي وقد علمنا أعمال العباد كلهم وكتبناها عليهم وسنجزيهم على ذلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وقوله تعالى: ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً﴾ أي يقال لأهل النار: ذوقوا ما أنتم فيه فلن نزيدكم إلا عذابا من جنسه ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ﴾ [ص: ٥٨]، قال قتادة عن أبي أيوب الأزدي عن عبد الله بن عمرو قال: لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الآية ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً﴾ قال: فهم في مزيد من العذاب أبدا، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري، حدثنا خالد بن عبد الرّحمن، حدثنا جسر بن فرقد عن الحسن قال: سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب الله على أهل النار قال: سمعت رسول الله قرأ ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً﴾ قال:

«أهلك القوم بمعاصيهم الله ﷿» جسر بن فرقد ضعيف الحديث بالكلية.


(١) البيت للكندي في تفسير الطبري ١٢/ ٤٠٦ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٢٩٥، والاشتقاق ص ٤٧٨، والأزمنة والأمكنة ٢/ ١٥.
(٢) البيت بلا نسبة في لسان العرب (كذب)، (حوج)، (قضي)، والمخصص ١٢/ ٢٢٢، وأساس البلاغة (لوي)، وتاج العروس (كذب)، (حوج)، (قضي)

<<  <  ج: ص:  >  >>