للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أنزلت ﴿عَبَسَ وَتَوَلّى﴾ في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى إلى رسول الله فجعل يقول أرشدني، قالت وعند رسول الله رجل من عظماء المشركين، قالت: فجعل النبي يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول: «أترى بما أقول بأسا؟» فيقول: لا! ففي هذا أنزلت ﴿عَبَسَ وَتَوَلّى﴾ (١) وقد روى الترمذي هذا الحديث عن سعيد بن يحيى الأموي بإسناده مثله، ثم قال: وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أنزلت ﴿عَبَسَ وَتَوَلّى﴾ في ابن أم مكتوم ولم يذكر فيه عن عائشة. قلت: كذلك هو في الموطأ.

ثم روى ابن جرير (٢) وابن أبي حاتم أيضا من طريق العوفي عن ابن عباس قوله: ﴿عَبَسَ وَتَوَلّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى﴾ قال: بينا رسول الله يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب، وكان يتصدى لهم كثيرا ويحرص عليهم أن يؤمنوا فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله ابن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبد الله يستقرئ النبي آية من القرآن، وقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله، فأعرض عنه رسول الله وعبس في وجهه وتولى وكره كلامه، وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله نجواه وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله بعض بصره وخفق برأسه ثم أنزل الله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى﴾.

فلما نزل فيه ما نزل أكرمه رسول الله وكلمه وقال له رسول الله : «ما حاجتك؟ هل تريد من شيء؟ -وإذا ذهب من عنده قال-هل لك حاجة في شيء؟» وذلك لما أنزل الله تعالى: ﴿أَمّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّى. وَما عَلَيْكَ أَلاّ يَزَّكّى﴾ فيه غرابة ونكارة، وقد تكلم في إسناده.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث، حدثني يونس عن ابن شهاب قال: قال سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر يقول:

سمعت رسول الله يقول: «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم» وهو الأعمى الذي أنزل الله تعالى فيه ﴿عَبَسَ وَتَوَلّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى﴾ وكان يؤذن مع بلال، قال سالم: وكان رجلا ضرير البصر فلم يك يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذن. وهكذا ذكر عروة بن الزبير ومجاهد وأبو مالك وقتادة والضحاك وابن زيد وغير واحد من السلف والخلف أنها نزلت في ابن أم مكتوم، والمشهور أن اسمه عبد الله ويقال عمرو، والله أعلم.


(١) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٨٠، باب ١، ومالك في القرآن حديث ٨.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٤٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>