وقوله تعالى: ﴿كَلاّ لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ﴾ قال ابن جرير (١): يقول جل ثناؤه كلا ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر من أنه قد أدى حق الله عليه في نفسه وماله ﴿لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ﴾ يقول: لم يؤدّ ما فرض عليه من الفرائض لربه ﷿ ثم روى هو وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله تعالى: ﴿كَلاّ لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ﴾ قال: لا يقضي أحدا أبدا كل ما افترض عليه، وحكاه البغوي عن الحسن البصري بنحو من هذا، ولم أجد للمتقدمين فيه كلاما سوى هذا، والذي يقع لي في معنى ذلك، والله أعلم، أن المعنى ﴿ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ﴾ أي بعثه ﴿كَلاّ لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ﴾ أي لا يفعله الآن حتى تنقضي المدة ويفرغ القدر من بني آدم ممن كتب الله له أن سيوجد منهم ويخرج إلى الدنيا، وقد أمر به تعالى كونا وقدرا فإذا تناهى ذلك عند الله أنشر الله الخلائق وأعادهم كما بدأهم.
وقد روى ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: قال عزير ﵇ قال الملك الذي جاءني فإن القبور هي بطن الأرض، وإن الأرض هي أم الخلق فإذا خلق الله ما أراد أن يخلق وتمت هذه القبور التي مد الله لها انقطعت الدنيا ومات من عليها ولفظت الأرض ما في جوفها وأخرجت القبور ما فيها، وهذا شبيه بما قلناه من معنى الآية، والله ﷾ أعلم بالصواب.
وقوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ﴾ فيه امتنان وفيه استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة على إحياء الأجسام بعد ما كانت عظاما بالية وترابا متمزقا ﴿أَنّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا﴾ أي أنزلناه من السماء على الأرض ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا﴾ أي أسكناه فيها فدخل في تخومها وتخلل في أجزاء الحب المودع فيها فنبت وارتفع وظهر على وجه الأرض ﴿فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً﴾ فالحب كل ما يذكر من الحبوب والعنب معروف والقضب هو الفصفصة التي تأكلها الدواب رطبة، ويقال لها القت أيضا، وقال ذلك ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي، وقال الحسن البصري: القضب العلف.
﴿وَزَيْتُوناً﴾ وهو معروف وهو أدم وعصيره أدم ويستصبح به ويدهن به ﴿وَنَخْلاً﴾ يؤكل بلحا وبسرا ورطبا وتمرا ونيئا ومطبوخا ويعتصر منه رب وخل ﴿وَحَدائِقَ غُلْباً﴾ أي بساتين، قال الحسن وقتادة: ﴿غُلْباً﴾ نخل غلاظ كرام، وقال ابن عباس ومجاهد: الحدائق كل ما التف واجتمع. وقال ابن عباس أيضا: ﴿غُلْباً﴾ الشجر الذي يستظل به، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿وَحَدائِقَ غُلْباً﴾ أي طوال، وقال عكرمة: غلبا أي غلاظ الأوساط. وفي رواية غلاظ الرقاب، ألم تر إلى الرجل إذا كان غليظ الرقبة قيل: والله إنه لأغلب، رواه ابن أبي حاتم