للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج عن عطاء: سمعت ابن عباس يقول: هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئا، ولكن الفجر الذي يستنير على رؤوس الجبال هو الذي يحرم الشراب، وقال عطاء فأما إذا سطع سطوعا في السماء، وسطوعه أن يذهب في السماء طولا، فإنه لا يحرم به شراب الصائم ولا صلاة ولا يفوت به الحج، ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال، حرم الشراب للصيام وفات الحج، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء، وهكذا روي عن غير واحد من السلف .

[مسألة] ومن جعله تعالى الفجر غاية لإباحة الجماع والطعام والشراب لمن أراد الصيام يستدل على أنه من أصبح جنبا فليغتسل وليتم صومه ولا حرج عليه، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وجمهور العلماء سلفا وخلفا، لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وأم سلمة أنهما قالتا: كان رسول الله يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يغتسل ويصوم وفي حديث أم سلمة عندهما: ثم لا يفطر ولا يقضي، وفي صحيح مسلم عن عائشة، أن رجلا قال:

يا رسول الله، تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم؟ فقال رسول الله «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم» فقال: لست مثلنا يا رسول الله، فقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي».

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد (١): حدثنا عبد الرزاق عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة عن رسول الله ، أنه قال «إذا نودي للصلاة صلاة الصبح وأحدكم جنب فلا يصم يومئذ» فإنه حديث جيد الإسناد على شرط الشيخين كما ترى، وهو في الصحيحين عن أبي هريرة، عن الفضل بن عباس، عن النبي ، وفي سنن النسائي عنه عن أسامة بن زيد والفضل بن عباس ولم يرفعه. فمن العلماء من علل هذا الحديث بهذا، ومنهم من ذهب إليه، ويحكى هذا عن أبي هريرة وسالم وعطاء وهشام بن عروة والحسن البصري، ومنهم من ذهب إلى التفرقة بين أن يصبح جنبا نائما فلا عليه، لحديث عائشة وأم سلمة، أو مختارا فلا صوم له، لحديث أبي هريرة، يحكى هذا عن عروة وطاوس والحسن، ومنهم من فرق بين الفرض فيتم فيقضيه، وأما النفل فلا يضره، رواه الثوري عن منصور، عن إبراهيم النخعي وهو رواية عن الحسن البصري أيضا، ومنهم من ادعى نسخ حديث أبي هريرة بحديثي عائشة وأم سلمة، ولكن لا تاريخ معه، وادعى ابن حزم أنه منسوخ بهذه الآية وهو بعيد أيضا إذ لا تاريخ بل الظاهر من التاريخ خلافه، ومنهم من حمل حديث أبي هريرة على نفي الكمال فلا صوم له، لحديث عائشة وأم سلمة الدالين على الجواز، وهذا المسلك أقرب الأقوال وأجمعها، والله أعلم.

﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ يقتضي الإفطار عند غروب الشمس حكما شرعيا، كما جاء في


(١) مسند أحمد (ج ٢ ص ٣١٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>