للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ [القيامة: ١] فأتى على آخرها ﴿أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى﴾ [القيامة: ٤٠] يقول: سبحانك وبلى، وقال قتادة ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ ذكر لنا أن نبي الله كان إذا قرأها قال: سبحان ربي الأعلى، وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى﴾ أي خلق الخليقة وسوى كل مخلوق في أحسن الهيئات.

وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى﴾ قال مجاهد: هدى الإنسان للشقاوة والسعادة وهدى الأنعام لمراتعها وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لفرعون: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾ [طه: ٥٠] أي قدر قدرا وهدى الخلائق إليه، كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال: «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» (١) وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى﴾ أي من جميع صنوف النباتات والزروع ﴿فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى﴾ قال ابن عباس: هشيما متغيرا، وعن مجاهد وقتادة وابن زيد نحوه.

قال ابن جرير (٢): وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم، وأن معنى الكلام والذي أخرج المرعى، ﴿أَحْوى﴾ أخضر إلى السواد فجعله غثاء بعد ذلك، ثم قال ابن جرير: وهذا وإن كان محتملا إلا أنه غير صواب لمخالفته أقوال أهل التأويل، وقوله تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ﴾ أي يا محمد ﴿فَلا تَنْسى﴾ وهذا إخبار من الله تعالى ووعد منه له. بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها ﴿إِلاّ ما شاءَ اللهُ﴾ وهذا اختيار ابن جرير. وقال قتادة: كان رسول الله لا ينسى شيئا إلا ما شاء الله: وقيل: المراد بقوله: ﴿فَلا تَنْسى﴾ طلب، وجعل معنى الاستثناء على هذا ما يقع من النسخ أي لا تنسى أي ما نقرئك إلا ما يشاء الله رفعه فلا عليك أن تتركه. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى﴾ أي يعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه من ذلك شيء.

وقوله تعالى: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى﴾ أي نسهل عليك أفعال الخير وأقواله ونشرع لك شرعا سهلا سمحا مستقيما عدلا لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر. وقوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى﴾ أي ذكر حيث تنفع التذكرة، ومن هاهنا يؤخذ الأدب في نشر العلم فلا يضعه عند غير أهله كما قال أمير المؤمنين علي : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم، وقال: حدث الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذّب الله ورسوله، وقوله تعالى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى﴾ أي سيتعظ بما تبلغه يا محمد من قبله يخشى الله ويعلم أنه ملاقيه ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النّارَ الْكُبْرى ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى﴾ أي لا يموت فيستريح ولا يحيى حياة تنفعه بل هي مضرة عليه، لأن بسببها يشعر ما يعاقب به من أليم


(١) أخرجه مسلم في القدر حديث ١٦، والترمذي في القدر باب ١٨، وأحمد في المسند ٢/ ١٦٩.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٥٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>