للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عرفجة الثقفي قال استقرأت ابن مسعود ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ -فلما بلغ- ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا﴾ ترك القراءة وأقبل على أصحابه وقال: آثرنا الدنيا على الآخرة، فسكت القوم فقال: آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزويت عنا الآخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل، وهذا منه على وجه التواضع والهضم أو هو إخبار عن الجنس من حيث هو والله أعلم.

وقد قال الإمام أحمد (١): حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله قال: «من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى» تفرد به أحمد، وقد رواه أيضا عن أبي سلمة الخزاعي عن الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو به مثله سواء.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى﴾ قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا نصر بن علي، حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت ﴿إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى﴾ قال النبي : «كان كل هذا-أو كان هذا-في صحف إبراهيم وموسى» ثم قال: لا نعلم أسند الثقات عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس غير هذا، وحديثا آخر رواه مثل هذا.

وقال النسائي أخبرنا زكريا بن يحيى، أخبرنا نصر بن علي، حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه، عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ قال: كلها في صحف إبراهيم وموسى، ولما نزلت ﴿وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى﴾ [النجم: ٣٦] قال:

وفّى إبراهيم ﴿أَلاّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [النجم: ٣٧] يعني أن هذه الآية كقوله تعالى في سورة النجم ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى أَلاّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى﴾ [النجم: ٣٦ - ٤٢] الآيات إلى آخرهن.

وهكذا قال عكرمة فيما رواه ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى﴾ يقول: الآيات التي في سبح اسم ربك الأعلى، وقال أبو العالية: قصة هذه السورة في الصحف الأولى، واختار ابن جرير أن المراد بقوله: ﴿إِنَّ هذا﴾ إشارة إلى قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى﴾ ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ هذا﴾ أي مضمون هذا الكلام ﴿لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى﴾ وهذا الذي اختاره حسن قوي، وقد


(١) المسند ٤/ ٤١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>