للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس في قوله ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ قال: شاة، وكذا قال عطاء ومجاهد وطاوس وأبو العالية ومحمد بن علي بن الحسين وعبد الرحمن بن القاسم والشعبي والنخعي والحسن وقتادة والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم مثل ذلك، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وقال ابن أبي حاتم:

حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة وابن عمر: أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر. قال: وروي عن سالم والقاسم وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير نحو ذلك.

(قلت) والظاهر أن مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قصة الحديبية، فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه ذبح في تحلله ذلك شاة، وإنما ذبحوا الإبل والبقر، ففي الصحيحين عن جابر، قال: أمرنا رسول الله أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بقرة، وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه، عن ابن عباس في قوله ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ قال: بقدر يسارته، وقال العوفي، عن ابن عباس: إن كان موسرا فمن الإبل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم. وقال هشام بن عروة عن أبيه ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ قال: إنما ذلك فيما بين الرخص والغلاء، والدليل على صحة قول الجمهور فيما ذهبوا إليه من إجزاء ذبح الشاة في الإحصار أن الله أوجب ذبح ما استيسر من الهدي أي مهما تيسر مما يسمى هديا، والهدي من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، كما قاله الحبر البحر ترجمان القرآن وابن عم (١) رسول الله ، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أهدى النبي مرة غنما.

وقوله ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ معطوف على قوله ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ﴾ وليس معطوفا على قوله ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ كما زعمه ابن جرير ، لأن النبي وأصحابه عام الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم، حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم، فأما في حال الأمن والوصول إلى الحرم فلا يجوز الحلق ﴿حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة إن كان قارنا، أو من فعل أحدهما إن كان منفردا أو متمتعا، كما ثبت في الصحيحين عن حفصة أنها قالت:

يا رسول الله، ما شأن الناس حلوا من العمرة، ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال «إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر» (٢).

وقوله ﴿فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، سمعت عبد الله بن معقل قال: قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد-يعني مسجد الكوفة-فسألته عن فدية من صيام، فقال: حملت إلى النبي ، والقمل يتناثر على وجهي، فقال «ما كنت أرى أن الجهد


(١) هذه النعوت تطلق عادة على عبد الله بن عباس.
(٢) صحيح البخاري (حج باب ٣٤) ومسلم (حج حديث ١٧٥، ١٧٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>