للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليضربه فلما رأيا ذلك قالا: صدق. تفرد به أحمد.

وهذا الذي أنكره مروان على أبي سعيد ليس بمنكر، فقد ثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله قال يوم الفتح: «لا هجرة ولكن جهاد ونية، ولكن إذا استنفرتم فانفروا» (١) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر أجمعين من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون أن نحمد الله ونشكره ونسبحه، يعني نصلي له ونستغفره.

معنى مليح صحيح وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات، فقال قائلون: هي صلاة الضحى، وأجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها فكيف صلاها ذلك اليوم، وقد كان مسافرا لم ينو الإقامة بمكة، ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبا من تسع عشر يوما، يقصر الصلاة ويفطر هو وجميع الجيش، وكانوا نحوا من عشرة آلاف، قال هؤلاء: وإنما كانت صلاة الفتح.

قالوا: فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدا أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات، وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن، ثم قال بعضهم: يصليها كلها بتسليمة واحدة، والصحيح أنه يسلم من كل ركعتين كما ورد في سنن أبي داود أن رسول الله كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين.

وأما ما فسر به ابن عباس وعمر رضي الله تعالى عنهما من أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله روحه الكريمة، واعلم أنك إذا فتحت مكة وهي قريتك التي أخرجتك ودخل الناس في دين الله أفواجا، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا، فالآخرة خير لك من الدنيا، ولسوف يعطيك ربك فترضى، ولهذا قال: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوّاباً﴾.

قال النسائي أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا محمد بن محبوب، حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت ﴿إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ﴾ إلى آخر السورة قال: نعيت لرسول الله نفسه حين أنزلت فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة، وقال رسول الله بعد ذلك: «جاء الفتح وجاء نصر الله وجاء أهل اليمن، فقال رجل: يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال: «قوم رقيقة قلوبهم لينة قلوبهم، الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان».

وقال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده «سبحانك


(١) أخرجه البخاري في الجهاد باب ١، ٢٧، ومسلم في الإمارة حديث ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>