للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قلت) قد وراه النسائي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس: كان ناس يحجون بغير زاد، فأنزل الله ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى﴾ وأما حديث ورقاء فأخرجه البخاري عن يحيى بن بشر، عن شبابة، وأخرجه أبو داود عن أبي مسعود أحمد بن الفرات الرازي ومحمد بن عبد الله المخزومي عن شبابة عن ورقاء عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس، قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون، فأنزل الله ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى﴾ ورواه عبد بن حميد في تفسيره عن شبابة، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث شبابة به.

وروى ابن جرير وابن مردويه من حديث عمرو بن عبد الغفار عن نافع، عن ابن عمر، قال:

كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادهم رموا بها واستأنفوا زادا آخر، فأنزل الله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى﴾ فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الدقيق والسويق والكعك، وكذا قال ابن الزبير وأبو العالية ومجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي وسالم بن عبد الله وعطاء الخراساني وقتادة والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان، وقال سعيد بن جبير: فتزودوا الدقيق والسويق والكعك.

وقال وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا سفيان عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ قال الخشكنانج والسويق، قال وكيع أيضا: حدثنا إبراهيم المكي عن ابن نجيح، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: إن من كرم الرجل طيب زاده في السفر، وزاد فيه حماد بن سلمة عن أبي ريحانة أن ابن عمر كان يشترط على من صحبه الجوزة.

وقوله ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى﴾ لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الآخرة، وهو استصحاب التقوى إليها، كما قال ﴿وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف: ٢٦] لما ذكر اللباس الحسي نبه مرشدا إلى اللباس المعنوي، وهو الخشوع والطاعة والتقوى، وذكر أنه خير من هذا وأنفع، قال عطاء الخراساني في قوله ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى﴾ يعني زاد الآخرة، وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني (١): حدثنا عبدان، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا مروان بن معاوية عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير بن عبد الله، عن النبي قال «من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة» وقال مقاتل بن حيان لما نزلت هذه الآية ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾: قام رجل من فقراء المسلمين فقال: يا رسول الله، ما نجد ما نتزوده، فقال رسول الله «تزود ما تكفّ به وجهك عن الناس، وخير ما تزودتم التقوى» رواه ابن أبي حاتم (٢)، وقوله ﴿وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ﴾ يقول: واتقوا عقابي ونكالي وعذابي لمن خالفني ولم يأتمر بأمري، يا ذوي العقول والأفهام.


(١) الدر المنثور ١/ ٣٩٩.
(٢) الدر المنثور ١/ ٣٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>