للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرب، فجعل الله عليهم ذلك لا لهم، فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسول الله :

﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام، فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به، وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم أهله ﴿أَكْبَرُ﴾ عند الله من قتل من قتلتم منهم ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ أي قد كانوا يفتنون المسلم في دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه، فذلك أكبر عند الله من القتل ﴿وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا﴾ أي ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه، غير تائبين ولا نازعين، قال ابن إسحاق: فلما نزل القرآن بهذا من الأمر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق (١)، قبض رسول الله وآله وسلم العير والأسيرين، وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، فقال رسول الله : «لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا» يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان، فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم، فقدم سعد وعتبة، ففداهما رسول الله منهم، فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه، وأقام عند رسول الله حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا، وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافرا، قال ابن إسحاق: فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كان حين نزل القرآن طمعوا في الأجر فقالوا: يا رسول الله، أنطمع ان تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين؟ فأنزل الله ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء، قال ابن إسحاق، والحديث في هذا عن الزهري ويزيد بن رومان، عن عروة.

وقد روى يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير قريبا من هذا السياق، وروى موسى بن عقبة، عن الزهري نفسه نحو ذلك، وروى شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عروة بن الزبير نحوا من هذا أيضا، وفيه: فكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين، فركب وفد من كفار قريش حتى قدموا على رسول الله بالمدينة، فقالوا: أيحل القتال في الشهر الحرام؟ فأنزل لله ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ﴾ الآية، وقد استقصى ذلك الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة.

ثم قال ابن هشام، عن زياد، عن ابن إسحاق: وقد ذكر عن بعض آل عبد الله أن عبد الله قسم الفيء بين أهله، فجعل أربعة أخماسه لمن أفاءه، وخمسا على الله ورسوله، فوقع على ما كان عبد الله بن جحش صنع في تلك العير، قال ابن هشام: وهي أول غنيمة غنمها المسلمون، وعمرو بن الحضرمي أول من قتله المسلمون، وعثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون، قال ابن إسحاق: فقال أبو بكر الصديق في غزوة عبد الله بن


(١) الشفق: الخوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>