جرير، وقال أصحاب أبي حنيفة: إن كان الإضرار من قبلها، جاز أن يأخذ منها ما أعطاها، ولا يجوز الزيادة عليه، فإن ازداد جاز في القضاء، وإن كان الإضرار من جهته لم يجز أن يأخذ منها شيئا، فإن أخذ، جاز في القضاء. وقال الإمام أحمد وأبو عبيد وإسحاق بن راهويه:
لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن شعيب والزهري وطاوس والحسن والشعبي وحماد بن أبي سليمان والربيع بن أنس، وقال معمر والحكم: كان علي يقول: لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها، وقال الأوزاعي: القضاة لا يجيزون أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها.
(قلت): ويستدل لهذا القول بما تقدم من رواية قتادة عن عكرمة، عن ابن عباس في قصة ثابت بن قيس، فأمره رسول الله ﷺ أن يأخذ منها الحديقة ولا يزداد، وبما روى عبد بن حميد حيث قال: أخبرنا قبيصة عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، أن النبي ﷺ، كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، يعني المختلعة، وحملوا معنى الآية على معنى ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ أي من الذي أعطاها لتقدم قوله: فلا ﴿تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ أي من ذلك، وهكذا كان يقرؤها الربيع بن أنس «فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه» رواه ابن جرير، لهذا قال بعده ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾.
فصل: قال الشافعي: اختلف أصحابنا في الخلع، فأخبرنا سفيان عن عمر بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس في رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه بعد، يتزوجها إن شاء، لأن الله تعالى يقول: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾ -قرأ إلى- ﴿أَنْ يَتَراجَعا﴾ قال الشافعي: وأخبرنا سفيان عن عمرو، عن عكرمة، قال: كل شيء أجازه المال فليس بطلاق، وروى غير الشافعي عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس: أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله قال: رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه، أيتزوجها؟ قال: نعم، ليس الخلع بطلاق، ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها، والخلع فيما بين ذلك، فليس الخلع بشيء، ثم قرأ ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ﴾ وقرأ: ﴿فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ، حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾ وهذا الذي ذهب إليه ابن عباس ﵄ من أن الخلع ليس بطلاق وإنما هو فسخ، هو روايه عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان وابن عمر، وهو قول طاوس وعكرمة، وبه يقول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وأبو ثور وداود بن علي الظاهري، وهو مذهب الشافعي في القديم، وهو ظاهر الآية الكريمة، والقول الثاني في الخلع:
أنه طلاق بائن إلا أن ينوي أكثر من ذلك، قال مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن جهمان مولى الأسلميين، عن أم بكر الأسلمية: أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن خالد بن أسيد فأتيا عثمان بن عفان في ذلك، فقال: تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت، قال الشافعي: