وقوله ﴿أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ أي أضمرتم في أنفسكم من خطبتهن، وهذا كقوله تعالى ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ﴾ [القصص: ٦٩] وكقوله ﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ﴾ [الممتحنة: ١] ولهذا قال ﴿عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ أي في أنفسكم، فرفع الحرج عنكم في ذلك. ثم قال: ﴿وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ قال أبو مجلز وأبو الشعثاء جابر بن زيد والحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وسليمان التيمي ومقاتل بن حيان والسدي: يعني الزنا، وهو معنى الزنا، وهو معنى رواية العوفي عن ابن عباس، واختاره ابن جرير، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ لا تقل لها: إني عاشق وعاهديني أن لا تتزوجي غيري، ونحو هذا، وكذا روي عن سعيد بن جبير والشعبي وعكرمة وأبي الضحى والضحاك والزهري ومجاهد والثوري، هو أن يأخذ ميثاقها أن لا تتزوج غيره. وعن مجاهد: هو قول الرجل للمرأة: لا تفوتيني بنفسك فإني ناكحك، وقال قتادة: هو أن يأخذ عهد المرأة وهي في عدتها أن لا تنكح غيره، فنهى الله عن ذلك، وقدم فيه وأحل الخطبة، والقول بالمعروف، وقال ابن زيد ﴿وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ هو أن يتزوجها في العدة سرا، فإذا حلت أظهر ذلك، وقد يحتمل أن تكون الآية عامة في جميع ذلك، لهذا قال ﴿إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والسدي والثوري وابن زيد:
يعني به ما تقدم من إباحة التعريض كقوله: إني فيك لراغب ونحو ذلك، وقال محمد بن سيرين:
قلت لعبيدة: ما معنى قوله ﴿إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾؟ قال: يقول لوليها: لا تسبقني بها، يعني لا تزوجها حتى تعلمني، رواه ابن أبي حاتم.
وقوله ﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ﴾ يعني ولا تعقدوا العقدة بالنكاح حتى تنقضي العدة. قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وقتادة والربيع بن أنس وأبو مالك وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان والزهري وعطاء الخراساني والسدي والثوري والضحاك: ﴿حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ﴾ يعني ولا تعقدوا العقد بالنكاح حتى تنقضي العدة، وقد أجمع العلماء على أنه لا يصح العقد في العدة. واختلفوا فيمن تزوج امرأة في عدتها، فدخل بها، فإنه يفرق بينهما، وهل تحرم عليه أبدا؟ على قولين: الجمهور على أنها لا تحرم عليه، بل له أن يخطبها إذا انقضت عدتها. وذهب الإمام مالك إلى أنها تحرم عليه على التأبيد، واحتج في ذلك بما رواه عن ابن شهاب وسليمان بن يسار، أن عمر ﵁، قال: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، وكان خاطبا من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم اعتدت من الآخر، ثم لم ينكحها أبدا وقالوا: ومأخذ هذا أن الزوج لما استعجل ما أحل الله، عوقب بنقيض قصده، فحرمت عليه على التأبيد كالقاتل يحرم الميراث. وقد روى الشافعي هذا الأثر عن مالك. قال البيهقي: وذهب إليه في القديم ورجع عنه في الجديد، لقول علي أنها تحل