للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما وراء البحر، وإنها لإحدى الكبر إذ اختاره مع اطلاعه وحفظه ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر. وقيل: إنها صلاة العشاء وصلاة الفجر. وقيل: بل هي صلاة الجماعة. وقيل:

صلاة الجمعة. وقيل صلاة الخوف. وقيل: بل صلاة عيد الفطر. وقيل: بل صلاة الأضحى، وقيل: الوتر. وقيل: الضحى. وتوقف فيها آخرون لما تعارضت عندهم الأدلة، ولم يظهر لهم وجه الترجيح، ولم يقع الإجماع على قول واحد، بل لم يزل النزاع فيها موجودا من زمان الصحابة وإلى الآن. قال ابن جرير: حدثني محمد بن بشار وابن مثنى، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب، قال: كان أصحاب رسول الله مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا وشبك بين أصابعه، وكل هذه الأقوال فيها ضعف بالنسبة إلى التي قبلها، وإنما المدار ومعترك النزاع في الصبح والعصر، وقد ثبتت السنة بأنها العصر فتعين المصير إليها.

وقد روى الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي رحمهما الله في كتاب الشافعي ، حدثنا أبي سمعت حرملة بن يحيى التجيبي يقول: قال الشافعي، كل ما قلت فكان عن النبي . بخلاف قولي مما يصح، فحديث النبي أولى ولا تقلدوني، وكذا روى الربيع والزعفراني وأحمد بن حنبل عن الشافعي، وقال موسى أبو الوليد بن أبي الجارود عن الشافعي:

إذا صح الحديث وقلت قولا، فأنا راجع عن قولي وقائل بذلك، فهذا من سيادته وأمانته، وهذا نفس إخوانه من الأئمة ، أن صلاة الوسطى هي صلاة العصر، وإن كان قد نص في الجديد وغيره أنها الصبح لصحة الأحاديث أنها العصر، وقد وافقه على هذه الطريقة جماعة من محدثني المذهب الشافعي، وصمموا على أنها الصبح قولا واحدا، قال المارودي: ومنهم من حكى في المسألة قولين ولتقرير المعارضات والجوابات موضع آخر غير هذا وقد أفردناه على حدة ولله الحمد والمنة.

وقوله تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ﴾ أي خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه، وهذا الأمر مستلزم ترك الكلام في الصلاة لمنافاته إياها، ولهذا لما امتنع النبي من الرد على ابن مسعود حين سلم عليه وهو في الصلاة، اعتذر إليه بذلك وقال «إن في الصلاة لشغلا». وفي صحيح مسلم أنه قال لمعاوية بن الحكم السلمي حين تكلم في الصلاة «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله»، وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل، حدثني الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني، عن زيد بن أرقم، قال: كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي في الحاجة في الصلاة، حتى نزلت هذه الآية ﴿وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ﴾ فأمرنا بالسكوت، رواه الجماعة سوى ابن ماجة من طرق عن إسماعيل به.

وقد أشكل هذا الحديث على جماعة من العلماء حيث ثبت عندهم أن تحريم الكلام في

<<  <  ج: ص:  >  >>