للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ﴾ وهذا القول له اتجاه، وفي اللفظ مساعدة له، وقد اختاره جماعة منهم الإمام أبو العباس بن تيمية ورده آخرون، منهم الشيخ أبو عمر بن عبد البر.

وقول عطاء ومن تابعه، على أن ذلك منسوخ بآية الميراث، إن أرادوا ما زاد على الأربعة أشهر والعشر فمسلم، وإن أرادوا أن سكنى الأربعة أشهر وعشر لا تجب في تركة الميت، فهذا محل خلاف بين الأئمة وهما قولان للشافعي ، وقد استدلوا على وجوب السكنى في منزل الزوج، بما رواه مالك في موطئه (١)، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري، ، أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه قالت: فسألت رسول الله أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله «نعم» قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله أو أمر بي فنوديت له فقال «كيف قلت»؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت له شأن زوجي، فقال «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه وقضى به، وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث مالك به. ورواه النسائي أيضا وابن ماجة من طرق عن سعد بن إسحاق به، وقال الترمذي: حسن صحيح (٢).

وقوله ﴿وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما نزل قوله تعالى: ﴿مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ قال رجل: إن شئت أحسنت ففعلت، وإن شئت لم أفعل، فأنزل الله هذه الآية ﴿وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ وقد استدل بهذه الآية، من ذهب من العلماء، إلى وجوب المتعة لكل مطلقة، سواء كانت مفوضة، أو مفروضا لها، أو مطلقة قبل المسيس، أو مدخولا بها، وهو قول عن الشافعي ، وإليه ذهب سعيد بن جبير، وغيره من السلف، واختاره ابن جرير، ومن لم يوجبها مطلقا، يخصص من هذا العموم مفهوم قوله تعالى: ﴿لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٦] وأجاب الأولون بأن هذا من باب ذكر بعض أفراد العموم، فلا تخصيص على المشهور المنصوص، والله أعلم.


(١) الموطأ (طلاق حديث ٨٧)
(٢) الترمذي (طلاق باب ٢٣) والنسائي (طلاق باب ٦٠) وأبو داود (طلاق باب ٤٤) وابن ماجة (طلاق باب ٨) والدارمي (طلاق باب ١٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>